الوضع الصحي في السودان لم يعد مجرد أزمة عابرة، بل تحول إلى مؤامرة مكتملة الأركان تقود البلاد إلى حافة الانهيار الشامل. ما يجري اليوم داخل وزارة الصحة يكشف حجم الاختطاف الذي تعرض له القطاع الصحي، حيث تحولت الوزارة من مؤسسة خدمية تعنى بصحة المواطن، إلى ساحة نفوذ وصراع تتحكم فيها عناصر الجنجويد وبقايا منظومة حمدوك، الذين تغلغلوا في مفاصلها الحساسة.
الخطير في الأمر أن هذا التغلغل لم يأتِ صدفة، بل جرى بتخطيط محكم وبمباركة دوائر داخلية وخارجية، هدفها تعطيل أي محاولة إصلاح حقيقي، وترك المواطن فريسة للأوبئة والموت البطيء. فبدلاً من أن تكون الصحة أولوية وطنية، أصبحت وسيلة للمساومات السياسية وتوزيع الامتيازات والمحسوبية.
لقد باتت الكوادر المهنية والكفاءات الطبية مهمشة ومقصية، بينما تُفتح الأبواب أمام عناصر تفتقر إلى الخبرة والمؤهل، لكن ولاؤها للجماعات المسيطرة يكفي لتسلقها إلى مواقع صنع القرار. وبهذا، تحولت وزارة الصحة إلى “غنيمة” تُدار بعقلية الجنجويد، حيث يسود منطق القوة لا منطق القانون، ومنطق الولاء لا منطق الكفاءة.
النتائج كارثية: انتشار الأوبئة كحمى الضنك والملاريا بشكل غير مسبوق، انعدام الأدوية الأساسية، انهيار المستشفيات الحكومية، وتزايد هجرة الأطباء بحثاً عن بيئة تحفظ كرامتهم المهنية. المواطن البسيط هو من يدفع الثمن، إذ لم يعد يجد دواءً ولا سريراً ولا حتى رعاية أولية تحفظ له حقه في الحياة.
إن ما يجري في وزارة الصحة اليوم ليس مجرد سوء إدارة أو ضعف في التخطيط، بل مؤامرة مكتملة الأركان تهدف إلى تدمير ما تبقى من المنظومة الصحية، حتى تصبح البلاد رهينة للفوضى والابتزاز. وإذا لم يتحرك الشعب وقواه الحية لمحاسبة المتورطين في هذا الانهيار، فإن القادم سيكون أكثر ظلاماً.
آخر الكلام
لقد آن الأوان لفضح هذه الشبكة التي جعلت من صحة المواطن تجارة سياسية، ورفع الصوت عالياً بأن صحة السودانيين ليست مجالاً للتجريب ولا للمؤامرات، بل هي حق مقدس يجب انتزاعه من براثن الفساد والتغول.