إن المخدرات تنتج سوقاً سوداء، وتحول شباب الخرطوم إلى وقود للضياع فلم تعد المخدرات في السودان ظاهرة اجتماعية هامشية أو سطحية ، بل تحولت إلى سلاح خفي يهدد حاضر الشباب ومستقبل الوطن. فقد شهدت ولاية الخرطوم في الأشهر الأخيرة تصاعدًا خطيرًا في معدلات تعاطي وتجارة المخدرات حتى باتت القضية تتصدر المشهد الأمني والاجتماعي خاصة بعد أحداث مستشفى النو بأم درمان والتي وضعت الجميع أمام حقيقة مرة ألا وهي أن شبابنا مستهدفون، والوطن في قلب معركة وجودية لا تقل ضراوة عن معركة البندقية.
وهنا تشير تقديرات منظمات محلية وتقارير شرطة مكافحة المخدرات إلى أن أكثر من 60% من حالات التعاطي في السودان تتركز وسط الفئة العمرية ما بين 15 – 30 عامًا أي فئة الشباب ، وهي قلب القوة الحيوية المنتجة للمجتمع وصمام أمان الدولة والأدهى من ذلك أن ضبطيات المخدرات ارتفعت بنسبة تجاوزت 45% خلال العام الماضي فقط، ما يعكس اتساع نطاق الجريمة وتغلغلها في الأحياء والجامعات ومناطق التجمع الشبابي.
إن ما يجري لم يكن صدفة ولن يكون، إنما هو مخطط يستهدف تعطيل طاقات الشباب السوداني وتحويلهم إلى قطعان تُساق بلا وعي ولا إرادة من الإدمان إلى البطالة، ومن البطالة إلى الجريمة، ومن الجريمة إلى زعزعة الأمن والاستقرار. ويكفي أن نذكر أن نحواُ من 70% من الجرائم الجنائية التي تم تسجيلها مؤخرًا ارتبطت بشكل مباشر أو غير مباشر بتعاطي المخدرات أو الاتجار بها.
فالخرطوم اليوم أمام تحدٍّ جسيم فبينما تسعى الحكومة جاهدة لتهيئة العاصمة لتستقبل أبناءها الذين شردتهم الحرب، وتعيد بناء مؤسسات الدولة التي سبقتهم، تجد نفسها في مواجهة حرب داخلية لا تقل خطورة عن حرب الكرامة المشتعلة الآن ، حرب تستهدف عقول الشباب وأخلاقهم وسلوكهم. ولعل الاصطدامات الأخيرة بين شرطة مكافحة المخدرات وبعض القوى المسلحة تكشف بجلاء حجم المعركة وتداخل خيوطها، فالمخدرات لم تعد تجارة فردية بل شبكة منظمة، تغذيها جهات داخلية وخارجية،وتستثمر في الفوضى وتستهدف استقرار السودان ونمائه..
إذن فمالمطلوب الآن ..أحسب أننا بحاجة إلى الآتي :–
- مضاعفة الجهد الأمني وتكثيف الحملات الاستباقية.
- تفعيل القوانين الرادعة وتطبيقها بلا استثناءات.
- دعم شرطة مكافحة المخدرات بالعدة والعتاد والتدريب الحديث.
- توسيع برامج التوعية والعلاج عبر المدارس والجامعات ووسائل الإعلام.
إن الخرطوم التي تعافت من رجس المليشيا المتمردة قادرة – بعون الله – على أن تتعافى من هذا الداء العضال ، لكن الأمر يتطلب أن يدرك كل مواطن أن معركة المخدرات هي معركة بقاء وكرامة، وأن حماية الشباب واجب جماعي لا يقل أهمية عن حماية الحدود.
فالشباب هم عماد السودان، وإن ضاعت عقولهم، ضاع الوطن كله.