بدأ معدل التضخم في السودان ينخفض تدريجيًا بعد أن بلغ أعلى معدلاته 422% في يوليو 2021، رغم استمرار تآكل قيمة الجنيه وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وأكد جهاز الإحصاء أن معدل التضخم السنوي في سبتمبر 2025 بلغ 83.47% مقارنة بالعام الماضي، وبزيادة طفيفة عن أغسطس الماضي الذي سجل 83.05%، ما يشير إلى استقرار نسبي في وتيرة ارتفاع الأسعار.
التضخم: تعريفه وأسبابه في السودان
التضخم هو ارتفاع مستمر في المستوى العام للأسعار، مما يقلل القدرة الشرائية للعملة المحلية ويزيد الضغط على الأسر. في السودان، تتعدد أسباب التضخم:
• انخفاض قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، ما يزيد تكاليف الاستيراد.
• نقص الإنتاج المحلي لبعض السلع الأساسية بسبب الصراعات والمشاكل الزراعية.
• ارتفاع تكاليف النقل والخدمات نتيجة البنية التحتية المتضررة.
• الضغوط على سوق النقد واعتماد كبير على الاستيراد لسد الاحتياجات الأساسية.
ويرى بعض الخبراء أن التقارير الرسمية للجهاز المركزي للإحصاء قد لا تعكس الواقع بدقة كاملة، لأنها تعتمد على سلة محددة من 563 سلعة وخدمة موزعة على 12 مجموعة رئيسية، لكل مجموعة وزن محدد في حساب معدل التضخم وفقًا لنسبة إنفاق الأسر عليها. وهذا يعني أن بعض السلع الأساسية التي يشتريها المواطن يوميًا قد يكون لها وزن صغير نسبيًا في السلة، بينما سلع أقل استخدامًا لها وزن أكبر، ما قد يقلل أو يضخم تأثير تغير أسعارها على الرقم النهائي للتضخم.
أبرز أوزان المجموعات ضمن سلة التضخم:
• الأغذية والمشروبات: 52.89% من إجمالي الإنفاق، وهي الأكثر تأثيرًا على حياة المواطنين اليومية.
• السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود: 14.17%، تؤثر بشكل كبير على تكاليف المعيشة الأساسية.
• النقل: 8.34%، يشمل وسائل النقل والوقود وتكاليف التنقل.
• الملابس والأحذية: حوالي 5-6% من إجمالي الإنفاق.
• الصحة والتعليم والخدمات الأخرى: تشكل مجتمعة حوالي 20%، مع اختلاف التأثير حسب ظروف كل أسرة.
هذا التوزيع يوضح لماذا قد يشعر المواطن بأن الأسعار ارتفعت أكثر مما تشير إليه النسبة الرسمية للتضخم، خصوصًا إذا ارتفعت أسعار الخبز والزيوت والدقيق والأدوية والنقل، حتى وإن كانت مجموعتها ضمن السلة لها وزن أقل.
التضخم الشهري: قراءة متأنية
• ارتفعت الأسعار بنسبة 5.68% خلال شهر سبتمبر مقارنة بشهر أغسطس، مع استمرار الضغوط على المواد الأساسية.
• أسعار الأغذية والمشروبات سجلت ارتفاعًا أقل نسبياً بنسبة 3.44%، ما يعكس بطء نسبي في زيادة أسعار الغذاء مقارنة بمتوسط التضخم العام.
التضخم السنوي: ضغط مستمر على القوة الشرائية
• التضخم السنوي العام بلغ 83.47%، ما يعكس استمرار الضغوط على القدرة الشرائية للأسر خلال العام.
• التضخم في الأغذية والمشروبات سجل 77.64%، أي أن أكثر من نصف دخل المواطن يذهب لسد الاحتياجات الغذائية، مما يزيد الضغط الاقتصادي على الأسر.
التضخم في الحضر والريف: اختلافات واضحة
• الحضر: سجل تضخمًا بنسبة 87.64% في سبتمبر مقابل 83.93% في أغسطس، ما يعكس ارتفاع أسعار السلع والخدمات في المدن الكبرى بسبب الطلب المرتفع وارتفاع تكاليف النقل.
• الريف: سجل تضخمًا بنسبة 81.91% مقابل 83.51% في أغسطس، انخفاض نسبي يعكس وجود بعض المنتجات المحلية بأسعار أقل.
التضخم حسب الولايات: تفاوت ملحوظ
• ارتفاع في ثلاث ولايات: كسلا 53.66%، الخرطوم 21.78%، القضارف 6.08%.
• انخفاض في بقية الولايات، أعلى انخفاض في الجزيرة 38.05%، وأدنى انخفاض في شمال دارفور 1.16%، فيما سجلت باقي الولايات نسب متفاوتة من الانخفاض.
التضخم حسب المجموعات السلعية
• انخفاض نسبي: الأغذية والمشروبات، الملابس، التجهيزات المنزلية، الاتصالات، المطاعم والفنادق.
• ارتفاع: التبغ، السكن، الصحة، النقل، والتعليم (التعليم 234.65% نتيجة توسع المدارس).
مقترحات للحد من التضخم
للتخفيف من الضغوط على المواطنين، يمكن اتباع سياسات عملية مثل:
- دعم الإنتاج المحلي للسلع الأساسية لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
- تحسين سلاسل التوزيع واللوجستيات لتخفيض الأسعار وتقليل الفاقد.
- ضبط سعر الصرف ومراقبة الأسواق الموازيّة لتثبيت التكاليف.
- توسيع شبكات التموين الحكومية والمبادرات الاجتماعية لدعم الأسر الأكثر ضعفًا.
- تشجيع الاستثمار في الزراعة والصناعة الصغيرة لتعزيز العرض المحلي.
التحليل والخلاصة
تشير البيانات إلى أن التضخم في السودان لا يزال يشكل ضغطًا اقتصاديًا كبيرًا على الأسر، مع اختلاف واضح بين الحضر والريف وبين الولايات المختلفة. استمرار ارتفاع الأسعار في الأغذية والتعليم والنقل يعكس الحاجة إلى سياسات مركزة ومستدامة لدعم القدرة الشرائية وتحسين توزيع السلع والخدمات الأساسية.
