الثلاثاء, نوفمبر 18, 2025
الرئيسيةمقالاتالإعلام الجماهيري.. صوت الشعوب وسلاح الوعي.. بقلم/ د....

الإعلام الجماهيري.. صوت الشعوب وسلاح الوعي.. بقلم/ د. إسماعيل الحكيم


أثبتت التجارب الماثلة في معارك الشعوب الكبرى، لا يكون السلاح في الميدان وحده هو صاحب الأثر، بل يتقدمه في كثير من الأحيان سلاحٌ آخر لا يقل ضراوة ولا فاعلية ، فالإعلام الجماهيري على سبيل المثال . فهذا الإعلام، حين ينهض من ضمير الناس، لا يعود مجرد بث ولا منشور ولا منصة، بل يصبح قوةً شعبيةً ضاغطة، وصوتًا جمعيًا يهزّ عروش التضليل، ويعيد رسم موازين التأثير.
ولعلّ ما قدّمته الجالية السودانية في المملكة المتحدة خلال الأسابيع الماضية يجسد هذه الحقيقة بأبلغ صورها. فقد ارتفع صوتها، واشتدّ موقفها، ووصل صداها إلى منصاتٍ إعلامية كبرى، دفعتها إلى اتخاذ قرار بالغ الأثر ألا وهو إيقاف ومنع بث أي محتوى للناشط عبد المنعم الربيع ذلك الصوت الذي تحوّل إلى منصة تحريضٍ مفتوحة تخدم رواية مليشيا آل دقلو الإرهابية، وتبرّر جرائمها، وتدفعها — جهارًا نهارًا — إلى المزيد من البطش بالمدنيين الأبرياء.
لقد كان الربيع، عبر منابره المتعددة، يمارس التحريض كمن يمارس وظيفة رسمية
– يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، يحرّف الوقائع، ويصطنع الأكاذيب لا سيما حين تخور قوى المليشيا وتتلاحق هزائمها أمام طوفان الجيش السوداني.
كان الربيع يدرك أن معنويات المقاتلين حين تنهار تصبح عبئًا، فكان يمدّهم بخيوط وهمية من الانتصارات المصطنعة، ليُبقيهم واقفين على أقدام من رمال، تسقط عند أول موجة من الحقيقة.
إسكات هذا الصوت لم يكن خطوة تقنية، بل كانت خطوة أخلاقية ووطنية.
فحين أُسدِل الستار على هذا المنبر المحرّض، أُغلق باب من أبواب الشر، وانقطع سبيل من سبل التجييش ضد أبناء السودان العُزّل، وانحسر صوتٌ كان يدعو — بلا خجل — إلى مزيد من الدماء، ويستمرئ مشاهد الخراب، ويشرعن الجرائم تحت عباءة البث المباشر.
إن ما فعلته الجالية السودانية في المملكة المتحدة، عبر حراكها المنظّم وضغطها الواعي، درسٌ في قيمة الوعي الجماهيري حين يتخذ شكلًا عمليًا. فالإعلام الحر لا ينهض وحده إنه يحتاج إلى جمهور يحرسه، ويقوّم اعوجاجه، ويقول “لا” حين يتجاوز البعض حدود الإنسانية والمهنية والأخلاق.
وليت كل الجاليات السودانية في المشارق والمغارب تحذو هذا الحذو، وتمضي في ذات الطريق، فتحارب المليشيا في كل الميادين في ميدان الحقيقة، وفي ميدان الوعي، وكذلك في ميدان كشف التضليل، وكل هذا قبل قبل ميدان القتال الذي يحسمه الجيش.
فالحرب ليست سلاحًا فقط إنها وعيٌ، وصوتٌ ودعاء ، وتحالفٌ شعبي لا تهزمه الجيوش الإعلامية مهما تضخم صوتها.
إن السودان اليوم يخوض معركة وجود، ومعارك الوجود لا تُحسم بالرصاص وحده، بل تُحسم بإرادة الشعوب… وشعوب السودان أثبتت — مرة بعد مرة — أن صوتها حين يرتفع، تُصغي إليه المنصات، وتنصاع له المؤسسات، ويُسقط أبواق التضليل مهما بدا صداها عاليًا.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات