السبت, سبتمبر 27, 2025
الرئيسيةمقالاتفكُّ الحصار عن الفاشر واجبٌ وطني وإنساني.. ...

فكُّ الحصار عن الفاشر واجبٌ وطني وإنساني.. بقلم د. إسماعيل الحكيم



تنبعث من شمال دارفور هذه الأيام نداءاتٌ لا تحتمل التردُّد أو التلكؤ نفرةٌ لكلِّ من يملك مالاً أو نفساً أو فِكراً، لتكون الفاشرَ — تلك المدينة التي باتت رمزاً لصمودٍ مريرٍ — بوابة رجاءٍ لا مزيدَ من الألم خلفها. ما يجري في الفاشر ليس حدثًا محليًا معزولاً، بل امتحانٌ لضميرِ الأمة، وقياسٌ على مدى تطابق القول مع الفِعْل، وعلى مدى تمثّلنا لقيم الكرم والشجاعة المعروفة عن شعب السودان التاريخي.
الحصارُ الذي تُفرِضُهُ آلاتُ العنف على المدينة لم يبقَ أثره محصورًا في نقصٍ حادٍ في الغذاء والدواء فحسب بل تحوّلَ إلى جريمةٍ إنسانيةٍ يوميةٍ تُحفرُ فيها ملامحُ الموت في الطرقات وتطفو فيها وجوهُ الضحايا على صفحات الأخبار والمقابر. واليوم يصرُّ أهالي الفاشر على أن يكونوا عنوانًا لمقاومةٍ شعبيةٍ ومبادراتٍ مجتمعيةٍ تساندُ المقاتلين وتخففُ عن المدنيين ويلاتِ الجوع والخوف.
إن المبادرات المجتمعية في زمن المحنة ليست رفاهيةً بل هي واجبٌ ديني ووطني وأخلاقي فالقرآن الكريم يدعونا إلى الجهاد بكل سبل الإعانة ـ نفسًا ومالًا ـ حين تستدعي الحاجةُ ذلك نصرةً للضعيف واستردادًا للكرامة. هذا النص الديني يلتقي مع ذاكرةٍ سودانيةٍ طويلةٍ من الكرم والسخاء والتضحية والبذل رجالٌ ونساءٌ عبر التاريخ تسابقوا فرسموا بمالِهم ووقفتهم مع المقاتلين ملامح النصر والإنتصار ، وها نحن اليوم أمام فرصةٍ لتأكيد هذا التاريخ وبناء فصلٍ جديدٍ من التضامن. (مضمون قرآني وتاريخي متواتر).
العملُ المطلوب الآن هو عملٌ مزدوج دعمٌ إنساني عاجل لإنقاذ حياة المحتاجين، ودعمٌ لوجستي ومالي للجهود التي تُساند القواتَ المسلحةَ والمقاومة الشعبيةَ في فكِّ الحصار بالقوة أو الضغط الدولي. ولقد ظهرت مؤشرات مبكِّرة على تنسيقٍ وطنيٍ لهذهَ الجهود، حيث جرى إطلاق لجان ومبادراتٍ وطنيةٍ تهدف إلى ضخِّ المساعدات وتعبئةِ الدعم السياسي والدولي لفكِّ الخناق عن المدينة. تصريحُ رئيسِ لجنةِ فكِّ الحصار وتأكيدُ رئيسِ الوزراء على ضرورةِ الحشدِ الشعبي والدولي يؤكدان أن القضية لم تعد شأنًا محليًا فقط، بل صارت بندًا على طاولةِ الهمِّ الوطني المتسع..
لكن بين الحشد والتخطيط تقعُ مسؤولياتٌ ثقيلةٌ على المجتمع المدني فلابد من تنظيم حملات إغاثيةٍ مهنيةٍ، تجنُّبُ التذرُّع بالمشروعات الخاوية، جمعُ تبرعاتٍ شفافةٍ تُصلُ إلى مستحقيها، وتكوينُ قنواتٍ آمنةٍ لإيصال الدعم إلى داخلِ المدينة. كذلك لا بدَّ من مرافقة هذه المبادراتِ بسجالٍ إعلاميٍ واعٍٍ يرسمُ حقيقةَ المصاب ويُحاجُ الرأي العام الدولي بطلبِ إنقاذٍ إنسانيٍ عاجلٍ. إن العملَ الشعبيَّ المنسقَ يضاعف أثرَ البذل، ويُعلي صوتَ الضميرِ في وجهِ صمتِ المجتمع الدولي أو تهاونِه.
على المستوى الروحي والمعنوي، تكون النفرة رسائلَ تضامنٍ لا تُقاسُ بالمال وحدَه رسائلُ دعاءٍ، ووقوفٍ عند الأبواب، وزياراتٍ إن أمكن، ونصرةٍ بالكلمةِ قبل الفعل. إن للمساندةِ المعنوية أثرًا عميقًا في رفعِ الروحِ المعنويةِ للمقاتلِ والمدنيِّ على حدٍّ سواء، فتذكِّرُنا قصصُ البطولات السودانية أنّ النصرَ لم يأتِ إلا حين اجتمع الناس حول هدفٍ واحدٍ بقلوبٍ متوكلةٍ على اللهٍ وعازمةٍ على العمل.
و لا يكفي أن نقولَ إننا مع الفاشر، بل علينا أن نظهرَ ذلك في أفعالٍ واضحةٍ ومشروعاتٍ مدروسةٍ. نفرةُ فكِّ الحصار هي لحظةٌ اختياريّةٌ تُختبر فيها قيمُنا إن صمدنا معها، فإننا نؤسسُ لعودةٍ سليمةٍ للمدنِ والناسِ، وإن قصرنا فستبقى صفحاتُ التاريخِ تكتبُنا كما نختار أن نُكتب. ومن يقف اليوم مع الفاشر لا يقف لحظةً عابرةً، بل يكون قد وقف مع إنسانيةٍ تُهدَّد ومع حقٍّ يُعطّل، ومع مستقبلٍ يأملُ أن يولدَ من رحمِ الألم. وبإذن الله، فإن وحدةَ الصفِ وتضافرَ الجهودِ تعنيان أن النصرَ قريبٌ، لا في الحساباتِ السياسيةِ وحدها، بل في ضمائرِ الناس التي لم تزلْ تنبضْ بالكرمِ والشجاعةِ .Elhakeem.1973@gmail.com

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات