فجعنا يومئذ برحيل الأخ فتحي خليل والي الشمالية، العلم المشهور، الرجل البسيط التقي النقي السيرة والسريرة.هو من الرجال الذين صدقوا وما بدلوا تبديلا، رجل المبادئ التي ما حاد عنها ولا اهتزت ثوابته، وما غيرته النوازل ولا المنازل التي تبوأها،كل من عرفه وفي أي مرحلة من مسيرته طالبا كان أم محامياً أو نقابيا، برلمانيا كان أم واليا، هو هو مازادته التكاليف إلا تواضعاً وقربا من الضعفاء المنخاز إليهم طوال رحلته. ماجذبته الوظيفة ولاركض طلبا للتعيينات السياسية، بل أتته الخلافة تجرجر أذيالها. رجل يتسامى فوق الأهواء الشخصية إذ لم يسعى قط انتصارا لنفسه، هزم مخالفيه ولا أقول أعدائه إذ لم تكن لديه عداوات بعفة لسانه ومجادلته إياهم بالحسنى، وبدفعه بالتي هي أحسن. ولعل في شهادات غازي سليمان، كمال عمر، أمين مدني، فاروق أبو عيسى، عمر مهاجر وعلي عثمان وبدرية سليمان..وغيرهم تأكيد لذلك.
فتحي خليل حساس تجاه الحق العام، وأكثر حساسية إزاء المال العام، ولاغرو أن ابتدر ولايته بالإصلاحات المالية والإدارية. منفعل بقضايا أمته ومهموم بها، ومهتم بالمسائل الحقوقية، بل محترف في هذا المضمار، إذ عمل في سلك المحاماة منذ تخرجه وإلى وفاته، ونال عضوية المجلس الوطني وتراس اللجنة القانونية،وعضوية المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب، والاتحاد الدولي للمحامين، وشغل منصب نائب رئيس اتحاد المحامين الأفارقة، كما نال عضوية المفوضية القومية للخدمة القضائية، وكذلك لجنة حقوق الإنسان، كما تولى منصب نقيب المحامين السودانيين لأربع دورات. هذا فضلاً عن مشاركاته الخارجية في مؤتمرات عديدة وندوات متعددة محلية، وإقليمية، ودولية. كما ترأس الهيئة الشعبية للتضامن مع الشعوب ونصرته، خاصة القدس، والعراق، ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
هذه ملامح عابرة لشخصية فذة يصعب الإحاطة بها في مثل هذه العجالة.هو رجل مازادته الابتلاءات والتكاليف إلا ثباتاً وعطاء والتصاقا بالناس.الشهيد فتحي خليل نسيج وحده،ولج العمل العام من كوة الحركة الإسلامية في أواسط ستينيات القرن الماضي، وغادر الفانية عبر البوابة نفسها، بعدما ذكرهم بقيم الحركة الإسلامية ومناهجها وسلوكها وسير الشهداء، من خلال مؤتمر محلية مروي وهو آخر ما حضر وشهد.
في ذكرى رحيله الثالثة عشر هي وقفات مسرعات نرجع البصر كرتين في سيرة من مسيرة قاصدة..اتكاءة ننعي فيها القيم ونستلهم العبر مرددين مع المتنبئ:
إنّي لأعْلَمُ، واللّبيبُ خَبِيرُ .. أنْ الحَياةَ وَإنْ حَرَصْتُ غُرُورُ
ورَأيْتُ كُلاًّ ما يُعَلّلُ نَفْسَهُ .. بِتَعِلّةٍ وإلى الفَنَاءِ يَصِيرُ