الخميس, أغسطس 7, 2025
الرئيسيةتقاريرساعات تؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة السودانية المصرية.

ساعات تؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة السودانية المصرية.

متابعات : إبراهيم شقلاوي

في أولى محطاته الخارجية منذ تولّيه منصب رئيس الوزراء ، اختار الدكتور. كامل إدريس العاصمة المصرية القاهرة وجهةً لزيارته الرسمية الأولى، وهو اختيار لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الإقليمي المتشابك والتحديات الداخلية المعقّدة التي يعيشها السودان، فضلًا عن الطبيعة الخاصة للعلاقات بين الخرطوم والقاهرة. فرغم قصر مدة الزيارة، إلا أن رمزيتها السياسية، وثقل ملفاتها، ومخرجاتها النوعية، تمنحها بُعدًا استراتيجيًا لا تخطئه العين.. في هذا التحليل المختصر نحاول الوقوف علي الابعاد السياسية والاقتصادية للزيارة

جاءت الزيارة في وقت يمر فيه السودان بأزمة وطنية خانقة، تتنازعها الحرب والانقسام، وسط جهود مضنية لإعادة بناء الدولة والانتقال السياسي. في مثل هذا الظرف، تغدو التحركات الخارجية من الأهمية بمكان لإعادة التموضع وإعادة ترتيب الأولويات الوطنية.

من هذا المنطلق، يُفهم اختيار القاهرة، بوصفها شريكًا تاريخيًا يمتلك رصيدًا سياسيًا وثقافيًا في معادلة السودان، وقادرًا على لعب دور داعم وحاسم في مراحل الانتقال والتعافي واعادة البناء .

اللقاء الذي جمع إدريس بالرئيس عبد الفتاح السيسي، والمباحثات الرسمية التي أجراها مع نظيره المصري الدكتور مصطفى مدبولي، حملت مضامين سياسية واضحة. فقد أعادت مصر تأكيد دعمها لوحدة السودان واستقراره، ورفضها أي محاولة لفرض حلول تُعمّق الانقسام أو تغذي الحرب . كما أكدت استعدادها للمساهمة في إعادة الإعمار، بما يشمل نقل خبراتها في مجالات البنية التحتية، والصحة، والتعليم، والطاقة، وهي قطاعات تُمثل أولويات عاجلة للسودان في هذه المرحلة.

وفي بُعد لا يقل أهمية، شكّلت قضية مياه النيل وسد النهضة محورًا رئيسيًا في المباحثات. فقد جدّد الجانبان تمسكهما بالتنسيق الكامل في هذا الملف الحيوي، ورفض النهج الأحادي الإثيوبي في إدارة مياه النيل، مؤكدين أهمية التعاون في إطار الهيئة الفنية المشتركة، ومبدأ التشاور المستمر كضمانة لتفادي التصعيد وحماية الحقوق المائية لدولتي المصب.

اقتصاديًا، اتجهت النقاشات نحو فتح آفاق جديدة للتكامل، خاصة في ما يتعلق بتعزيز الاستثمارات المصرية في السودان، ودفع مشروعات الربط الكهربائي والسكك الحديدية، وتسهيل التجارة البينية عبر المعابر الحدودية، بما يعكس تحول الرؤية الثنائية من مجرد علاقة جوار إلى شراكة تنموية متكاملة.

ومن اللافت في هذه الزيارة أن الوفد السوداني المرافق ضم وزراء في قطاعات محورية كالثقافة والإعلام والخارجية، رغم أن منصب وزير الخارجية لا يزال في وضع “التمثيل الجزئي” وزير دولة وهو أمر أثار تساؤلات حول تأخر الحسم في تشكيل الجهاز الدبلوماسي بكامل طاقته، خصوصًا في ظل الحاجة الماسة إلى صوت سوداني قوي ومتماسك في المحافل الدولية، يعبّر عن رؤية واضحة للحكومة الانتقالية.. كذلك غياب وزارة” الموارد المائية” المعنية بمياه النيل والاتفاقيات الدولية والتي يرى المراقبين المختصين ضرورة ان يبرز دورها ضمن حكومة الأمل.

المخرجات التي خلُصت إليها الزيارة، كما عبّر عنها البيان المشترك، أكدت أن الطرفين يدركان أهمية الانتقال من مستوى “التقارب التاريخي” إلى مستوى “التكامل الاستراتيجي”. فالتوافق على تفعيل اللجان المشتركة، وتنشيط قنوات التعاون القطاعي، والانخراط في برامج تأهيل الكوادر السودانية، كلها خطوات تُمهد لتحول نوعي في العلاقة، إذا ما وُضعت موضع التنفيذ.

ختامًا، فإن زيارة إدريس إلى القاهرة، وإن كانت محدودة في ساعاتها، إلا أنها مثّلت لحظة مفصلية في إعادة توجيه البوصلة السودانية نحو شراكة أوثق مع مصر. إنها زيارة عابرة بالزمن، لكنها ثقيلة بالمعاني، فتحت نافذة حقيقية للتفكير في العلاقة السودانية المصرية بوصفها مشروعًا استراتيجيًا مشتركًا، لا مجرد حالة ظرفية تفرضها الأزمات.

وإذا نجح الطرفان في ترجمة الافكار إلى أفعال، فإن هذه الساعات القليلة قد تُصبح أساسًا لمرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي تُعيد رسم ملامح الاستقرار في وادي النيل لفائدة الشعبين اللذان وحدتهم التحديات و المصالح المشتركة.
دمتم بخير وعافية.
الخميس 7 أغسطس 2025م Shglawi55@gmail.com

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات