بحمد الله تعالى، خرجت المليشيا المتمردة من عاصمة بلادنا الخرطوم، مدحورة مذلولة، بفضل الله أولاً، ثم بعزيمة الرجال الأبطال وتضحيات جنودنا الأشاوس الذين سطروا بدمائهم الطاهرة ملحمة من ملاحم النصر والكرامة. نعم، تحقق النصر العسكري، لكن يجب أن نُدرك تماماً أن المعركة لم تنتهِ بعد. فهناك معركتان قادمتان لا تقلان أهمية: تحرير ما تبقى من أرض الوطن، وبناء ما هدمته الحرب.
وإذا كانت معركة التحرير تتطلب السلاح والصمود، فإن معركة البناء تتطلب العقل، النظام، والتخطيط السليم. وفي مقدمة هذه المعركة يأتي تأمين الوطن والمواطن، وهو الدور الذي تقع مسؤوليته على كاهل وزارة الداخلية، والأجهزة الأمنية والشرطية.
تحديات ما بعد الحرب: الواقع لا ينتظر
الحرب ليست مجرد دمار مادي، بل هي أيضًا انفلات في القيم، وتشظٍ في البنية الاجتماعية، وفراغ أمني خطير. ومن أبرز إفرازاتها:
ظهور عصابات إجرامية منظمة تستغل الفوضى لتمارس النهب، الخطف، وتجارة البشر.
انتشار السلاح بين المدنيين، لا سيما الشباب، مما يحول الشوارع إلى ساحات تهديد مستمر.
تفشي المخدرات بأنواعها الخطيرة وسط الفئات العمرية الصغيرة، كجزء من عمليات تدمير ممنهجة للمجتمع.
ضعف الثقة بين المواطن والجهات النظامية بسبب تراجع الدور الأمني خلال الحرب.
وزارة الداخلية… مسؤولية بحجم الوطن
إن وزارة الداخلية والشرطة السودانية، بكل أذرعها، ليست مجرد مؤسسات تنفيذية، بل هي العمود الفقري لاستقرار الدولة، وحائط الصد الأول ضد الجريمة والفتن والانفلات. لذا، لابد من تحول استراتيجي عميق يشمل:
- إعادة تعريف مفهوم الأمن
ليس الأمن أن تأتي الشرطة بعد وقوع الجريمة، بل الأمن الحقيقي هو الردع الوقائي، عبر:
انتشار شرطي دائم في المناطق السكنية والأسواق والمرافق الحيوية.
خطط استخباراتية لكشف الخلايا والعصابات قبل أن تنشط.
إنشاء مراكز معلومات حديثة لرصد الجريمة وتحليل أنماطها.
- خطة قومية لنزع السلاح
يجب أن يكون نزع السلاح من أيدي المدنيين والمليشيات العشوائية أولوية عاجلة، وأن يتم ذلك عبر:
سن قوانين صارمة لحيازة السلاح غير المرخص.
منح مهلة زمنية محددة للتسليم الطوعي مقابل عفو قانوني.
حملات تفتيش مدروسة ومدعومة قانونياً وأمنياً.
- محاربة الجريمة المنظمة والمخدرات
الحرب القادمة حرب ضد شركات إجرامية نشأت في بيئة الحرب والفوضى، تتاجر بالممنوعات وتفسد الشباب. لذلك على الأجهزة المختصة:
إنشاء وحدة مركزية لمحاربة الجريمة المنظمة والمخدرات.
التعاون مع دول الجوار والأجهزة الدولية في تعقب الشبكات.
إدماج حملات التوعية في المدارس والإعلام والمراكز المجتمعية.
- استعادة الثقة الشعبية
المواطن لن يتعاون مع مؤسسة لا يشعر أنها في صفه. لذلك على الشرطة أن تتحول إلى شريك مجتمعي حقيقي، عبر:
احترام القانون، ومنع التجاوزات الفردية.
فتح قنوات تواصل مباشرة مع المواطنين.
تمكين آليات الرقابة المجتمعية لمراقبة الأداء الأمني.
خاتمة: لا بناء بلا أمن
إذا أردنا أن ننهض بسودان ما بعد الحرب، فعلينا أن نبدأ من الأساس: الأمن والاستقرار. لا يمكن أن تُقام مدرسة أو مستشفى في شارع تسيطر عليه الجريمة. ولا يمكن أن تُبنى الثقة في ظل الخوف وانعدام الأمان.
رسالتي إلى وزارة الداخلية والشرطة والأمن:
إن الأمان لم يعد ترفاً.. بل ضرورة وجودية لبقاء الدولة.
ومعركة الأمن، وإن كانت صامتة، إلا أنها الأكثر حسماً لمستقبل هذا الوطن.
فلتكن الشرطة أول من يبدأ في بناء السودان الجديد، سودان القانون، لا الفوضى… سودان الأمان، لا الخوف.