..
إن من معاني الوفاء المطلوب..والبر الذي يرتجى الإلتفات الي الضعفاء والمكلومين.. ففي خضم المعاناة التي يعيشها السودان وهو يقاوم العدوان الممنهج الذي تتعرض له الدولة والمجتمع في “حرب الكرامة”، يسطع نجم أسر الشهداء والمأسورين والضحايا كأكثر الفئات حاجةً وأحقيةً بالرعاية والإنصاف، لا بميزان العاطفة فحسب، بل بميزان العدل، والتاريخ، والواجب الوطني والأخلاقي.
لقد أحسن رئيس الوزراء المكلف صنعًا حين وجّه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بمراجعة رسوم الجامعات ونسب القبول بمؤسساتها ، مراعاةً للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد فهذه خطوة محمودة تستحق الإشادة، لكنها ــ في جوهرها ــ لا تكفي ولن تفي بما هو مطلوب …
نقولها بصدق ووضوح إن أبناء الشهداء والمأسورين في حرب الكرامة، لا ينبغي أن يُعاملوا كغيرهم في القبول الجامعي، ولا أن تُفرض عليهم الرسوم التي تُفرض على سواهم. هؤلاء قدّم آباؤهم وأمهاتهم أغلى ما يُملك ــ الأرواح والدماء والأعراض ــ دفاعًا عن تراب الوطن وهوية إنسانه وعن مؤسساته، وعن كرامة المواطن السوداني. فهل نكافئهم بالتساوي مع من لم يدفع الثمن؟ وهل يكون جزاء الإيثار والإقدام هو النسيان أو الإهمال؟ لا وألف لا ..
لقد كانت حكومة الإنقاذ ـ رغم اختلاف المواقف السياسية منها ـ سبّاقة في هذا الباب، حين سنّت مبدأ الاستثناء التعليمي لأبناء الشهداء. وهو تقليدٌ كريم، ينبغي أن لا يُنسى، بل أن يُعزّز، ويتطوّر، ويشمل أبناء شهداء الكرامة والمأسورين من أفراد القوات النظامية والمدنيين الذين أُخذوا من ديارهم بغير وجه حق إلا إن يقولوا هذه الأرض لنا ونحن لها ..
ولمنظمة الشهيد سجل حافل في خدمة أسر الشهداء..
سيدي رئيس الوزراء المكلف إن أردت النصر والتوفيق، فبهؤلاء يتم لك ذلك، “وإنما تُنصرون بضعفائكم” كما قال نبيّ هذه الأمة صلوات ربي وسلامه عليه. هؤلاء هم الضعفاء من حيث الحيلة، الأقوياء من حيث المعنى، والمفاتيح التي تُفتح بها أبواب البركة والنصر والتأييد الإلهي.
إن العدل لأسر الشهداء ليس منّةً من الدولة، بل دينٌ في رقبتها، وسُلّمٌ من سلالم بقائها واستقرارها. وإن الوفاء لهم اليوم، هو صكّ شرفٍ نرفعه للأجيال القادمة، نقول فيه إن هذا الوطن لا ينسى من يموت لأجله والدولة تضرب يدها بيد هذه الأسر إعترافاً بصنيعهم ووفاءً لبذلهم ..
فلنكن في حجم الكرامة التي نرفع رايتها، ولنصنع فرقًا حقيقيًا في حياة من خسروا أحبابهم ليبقى الوطن حيًّا.