الثلاثاء, يوليو 1, 2025
الرئيسيةمقالاتالثورة و الحرب و التغيير في السودان ...

الثورة و الحرب و التغيير في السودان أ/ زين العابدين صالح عبد الرحمن

أن التطورات السياسية الدراماتيكية التي حدثت في السودان في الخمس سنوات الماضية، من الثورة إلي الحرب، هي قضايا يجب أن تكون مجال بحث و دراسة، باعتبار أن الثورة تختلف في مضمونها و أدواتها و أجندتها السياسية و أهدافها عن الحرب.. فالثورة مرحلة من الوعي الاجتماعي الهادف إلي التغيير وفقا لأجندة سياسية، و حدودها تغيير النظام و القوى المحافظة التي كانت تدعم النظام، و أدواتها محدودة في التظاهر و العصيان، و حتى العمل المسلح في حدود ضيقة، أما الحرب ذات حمولات سياسية أكبر في الأهداف، و متعددة الأدوات، و الوعي المجتمعي غير منظور فيها، لأن الوعي مرتبطة بالقوى الراغبة في الحرب، و حتى الأجندة تتعلق بذات القوى و رغبتها و مصالحها و ليس بالمجتمع..

فالحرب تطرح تساؤلات عديدة في كل مساراتها، و أيضا تخلق وعيا جديدا بسبب أفرازاتها لأنها تنعكس بصورة مباشرة على المجتمع، و تؤثر سلبيا على مكتسباته، لذلك يغدو المجتمع بعد الحرب ليس هو ما كان قبل الحرب.. ثورة ديسمبر كان هدفها عند المتظاهرين محدودا هو “أسقاط النظام” إذا كانت الثورة فكرة جماهيرية خالصة، أو حتى إذا كانت مصنوعة كما يشيع البعض، فهي ذات هدف محدود و قد تحقق.. الحرب بعد الثورة هي أجندة أخرى استغلت حالة الأضطراب المجتمعي و السياسي.. و بدأت تظهر أجندة مغايرة رفعت سقف الأهداف.. فالحرب يريد الذي اشعالها تركيع الجانب الأخر، و الضغط عليه حتى الاستسلام، حتى لا يكون له مطلوبات.. و لكنها أيضا مجالا للتساؤلات.. هل المجتمع كان مهيأ للحرب؟ و هل الحرب بهدف تغيير المعادلات السياسية في البلاد تتعلق فقط بالشأن السياسي؟ أم الحرب ذات أهداف أعمق تتعلق بسيادة الوطن و ثرواته؟.. هل الحرب الدائرة تعد صراعا داخليا أم هناك تدخلات خارجية كانت سببا لتطور الصراع من حقله السياسي إلي السيطرة على الوطن؟ الإجابة على هذه الأسئلة ضرورة مهمة بعيدا عن منهج التبريرات الذي تتبناه القوى السياسية.. و كما قال غرامشي ( أن بداية الإعداد النقدي هي الوعي لحقيقة الذات) لكن السؤال هل القوى السياسية أجرت الإعداد للنقدي للتجربة؟

كان المتوقع بداية المرحلة الجديدة بعد الإنقاذ: أن تقدم الأحزاب السياسية مفكريها، و هؤلاء يقع عليهم عبء تغيير الأجندة و تخفيف حدة الصراع من خلال طرح أفكار في الساحة السياسية تخلق بها حوارات لكل التيارات الفكرية.. لآن الحوار وحده هو الذي يخفف حالة الاحتقان في المجتمع، و ينقل الناس من التأثير السياسي العاطفي إلي التعقل في طرح الموضوعات، بهدف خلق وسائل جديدة التي تساعد على بروز طرقجديدة في التفكير، وسط النخب السياسية ثم الدائرة المجتمعية.. هذه لم تحدث بسبب غياب العناصر المطلوبة، الأمر الذي جعل نشر العديد من الشعارات التي حملت لقطاع من المجتمع دون وعي بحمولاتها السياسية.. عندما طرح الدكتور الشفيع خضرة فكرة ” المساومة التاريخية بين الشيوعيين و الإسلاميين” في الندوة التي كانت قد أقيمت في جامعة الأزهري.. وجد هجوما عنيفا باعتبار أن فكرته تعد تراجعا عن مباديء الثورة.. رغم أن مرحلة الثورة انتهت بسقوط النظام، و أصبح كيف الوصول للهدف الأخر، بتهدئة الاحتقان السياسي الذي كان يتسيد الساحة.. فالشعارات كانت سببا في عدم التقاط الفكرة و معرفة أبعادها.. لآن التغيير لا يمكن أن يتم إذا كان المجتمع في حالة من الخلاف الخشن..

في مقابلة كانت أجرتها جريدة الأحداث مع رئيس حزب البعث السوداني محمد علي جادين في يوليو 2009م أي قبل عشرة سنوات من الثورة.. قال (يوجد في البلاد خطين سياسيين الأول الإنقاذ التي تهدف للسيطرة، و الثاني القوى السياسية التي أجهدتها مسيرة النضال و أصبحت تعاني من أكثر و لم تستطيع أن توحد جبهتا و تتفق على مشروعا سياسيا جاذبا للجماهير، إذا فشلت سوف تخسر معركتها السياسي بصورة مستمرة) هي رؤية المفكر أن يقرأ الساحة قراءة صحيحة بعيدا عن التحيزات الحزبية و العاطفية.. لكن القوى السياسية فشلت عن إدارة معركتها على أفكار واضحة يلتف حولها المجتمع و ليس تقديم أفكار تخدم قطاع محدد لخدمة أهداف ضيقة..

القضية الأخرى المهمة في الثورة و الحرب.. ليس سقوط النظام يعنى ذلك أن المجتمع انتقل من الشمولية إلي الديمقراطية.. و ربما سقوط الشمولية يأتي بشمولية أخرى تكون أخطر من سابقتها .. انظر إلي بلاد الربيع العربي و الديمقراطية.. لآن الانتقال يحتاج إلي أفكار جديدة، و وعي جديد، و يحتاج إلي ممارسات ليس في مؤسسات الدولة لوحدها، أيضا في الأحزاب لكي تنتج ثقافة جديدة تنداح على تراكم الثقافة الشمولية، و تحدث تغييرا فيها لمصلحة الهدف الجديد. و لكن إذا فشلت القوى السياسية في ذلك تصبح هي نفسها تشكل عائقا لتحقيق الهدف.. و هذه المسألة مهملة.. لآن العديد من قيادات الأحزاب تريد أن تنقل اهتمام الجماهير من تغير ذات المعادلة في قضية الديمقراطية إلي ساحة الأحزاب.. و القوى السياسية التي لا تمارس ديمقراطية تشكل عقبة كبيرة في عملية التحول..

و الآن: إذا الحرب نفسها لم تحدث تغييرا في طريقة التفكير السابقة، و ظلت العقلية القديمة بذات أفكارها، لا أمل في عملية التغيير للأفضل.. لآن العقلية نفسها تعتقد أن السلطة و احتكارها هو الذي يقود للتغيير، رغم أن التغيير هو نتاج لوعي جديد في المجتمع، و الوعي هو الذي يحدث تغييرا في الأجندة.. و الإشكالية الأخرى أن المثقفين الذين خاصيتهم التمرد و النقد أغلبيتهم مستوعبين في صراعات محورية تغلب عليها العاطفة و ليس التعقل في التفكير، و كما يقول برهان غليون (أن الفكر الخامل لا يستطيع أن ينقل أصحابه من حالة العجز إلي القوى و الحيوية التي تشكل حجر الزاوية في عمليات التغيير) و يصبح السؤال من الذي يساعد المجتمع لكي ينتقل من الأفكار التي قادتهم للفشل إلي أفكار جديدة تفتح أبواب الأمل للنهضة و الاستقرار الاجتماعي و السياسي.. نسأل الله حسن البصيرة..

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات