الإثنين, سبتمبر 1, 2025
الرئيسيةمقالاتزاوية خاصة ...

زاوية خاصة نايلة علي محمد الخليفة قسم على الفراغ

يحكى أن رجلاً في إحدى القرى النائية ، جاءته فكرة عظيمة ، أو هكذا خُيِّل له أن ينشئ حديقة حيوانات ، هرع إلى الميدان العام ، داعيا الناس للحضور ، وأعلن بملء فيه يا جماعة الليلة عندنا افتتاح رسمي لأول حديقة حيوانات في تاريخ القرية ، أُضاء الشموع ، اجتمع الكبار والصغار ، وانتشر الفضول بين الجميع ، وعندما جاءت اللحظة المنتظرة ، أزاح الرجل الستار عن القفص الكبير ، فإذا به فارغ تماماً لا أسد فيه ، ولا قرد ، ولا حتى دجاجة حاضنة.

سأله الناس بدهشة يازول وين الحيوانات ، فرد بكل ثقة الحيوانات لسه ما جات ، لكن المهم نعمل الافتتاح ونقطع الشريط الأحمر أولاً ، بعدين نشوف الباقي ، فانفجر الحضور ضحكاً ، قائلين له أول حديقة في الدنيا تبدأ بالفراغ وتنتظر سكانها بعد الافتتاح .

تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع أخبار ما سُمِّي بالحكومة التي شكّلها حميدتي ، حكومة أدّت القسم على المصحف الإريقط ،كما وصف ذلك أستاذنا عبدالماجد عبدالحميد ، لكن أين أرضها ، وأين هو شعبها ، وأي دستور تستند إليه ، وأي سلطة تملكها سوى الأماني والفراغ ، المشهد يكاد يكون نسخة مطابقة لقصة القفص الكبير ، فُرِش بالسجاد الأحمر ، عُلّقت عليه لافتة أنيقة كُتب عليها حديقة حيوانات ، بينما داخله خالٍ من أي كائن حي ، كذلك الحكومة التي أُعلنت عنها جماعة تأسيس ، حقائب وزارية بأسماء رنانة ، ومراسم قسم غليظة ، لكن الواقع على الأرض يساوي صفر .

المفارقة أن وزراء حكومة الشفشفة إن تمت تسميتهم ستتم تسميتهم على وزارات وهمية ، مثلا وزير للتعليم بلا مدارس ولا طلاب ، وزير للصحة بلا مستشفيات ولا أطباء ، وزير للمالية بلا خزينة ولا اقتصاد ، وزير للخارجية لا يملك جواز سفر يعبر به الحدود ، ولم يتوقف الأمر عند ذلك ، بل جرى توزيع حكام أقاليم على الورق ، حاكم للإقليم الأوسط بلا إقليم ، حاكم لدارفور التي تمزقها الحرب وهو لا يملك فيها موطئ قدم ، حاكم للخرطوم وهو لا يسيطر حتى على شارع واحد منها ، حاكم للإقليم الشرقي ، لا يعرف عنه أهل الشرق غير انه مهرب أسلحة وقاطع طرق ، وحاكم للإقليم الشمالي لا يملك سوى الاسم .

هؤلاء أشبه بفتيات صغار يلعبن لعبة (بت اللِعاب) هذا أب ، وتلك أم ، وهذا ابن ، وهذه اخت ، وابن فلان تزوج فلانة وتقام الولائم وربما ذهب العرسان إلى شهر العسل ، ، قبل أن يعدن جميعا أطفالاً في ظرف ساعة من الزمان .

حكومة تُشبه زواجاً بلا عروس ، أو صلاة بلا مصلين ، أو مباراة كرة تُدار بلا ملعب ولا جمهور ، مراسم شكلية أكثر سذاجة من الطرفة نفسها ، ولعل التاريخ سيكتبها كواحدة من أعجب مفارقات السياسة السودانية ، حكومة بلا دولة ، قسم بلا مسؤولية ، وزراء بلا وزارات ، وحكام أقاليم بلا أقاليم ، وكما افتتح الرجل حديقة بلا حيوانات ، افتتحوا هم حكومة بلا أرض ولا شعب …لنا عودة.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات