ثلاث عواصم عربية حتى الآن .. خرجت عن دائرة الحياد والصمت المطبق لتدين بصوت واضح، العدوان المستفز الذي تعرضت له بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة للحكومة . ففي الزمن الذي تقهقرت فيه الإرادة ، وتبعثرت فيه الرايات، وتوحد فيه الأعداء .. ينهض السودان اليوم بإذن الله جريحًا، لكنه عزيز يقاوم، ويصرخ، وينادي، لتبدأ الضمائر العربية في الاستيقاظ من سبات نومها العميق .
هنا فقط ، ومن قلب الخرطوم، حيث تختلط الدماء بالتراب والتضحيات بالصدق والإخلاص ، وحيث تقصف العاصمة الإدارية هماك بطائرات مسيّرة تستهدف ما تبقى من حلم الدولة، أتت الإدانات العربية لتكسر جدار الصمت المريب. وتهز الضمير العربي الساكن مصر، والكويت، والسعودية… إنها يقظة الضمير العربي الذي تجاوز البيانات والكلمات ، ليرسل رسائل من خلف السطور أن المساس بوحدة السودان هو مساس بأمن الأمة العربية من البحر إلى المحيط . وفي ذات الوقت ، تسير العدالة في طريقها المثقل بالحق ، حيث تشهد محكمة العدل الدولية اليوم جلسة النطق بالحكم في شكوى السودان ضد دولة الإمارات، على خلفية دعمها لمليشيا متمردة مزّقت الخرطوم وخربت البلاد وتسببت في أكبر كارثة إنسانية في عالمنا العربي ومحيطه الجغرافي . إنها لحظة تاريخية فاصلة، يلتقي فيها القانون والسلاح وجهاً لوجه ، والحق مع الباطل، والعروبة مع خنجرها المغروس في الجسد العربي المتهالك .
فهل نشهد، من وحي هذه اللحظة الحرجة، ولادة وحدة عربية جديدة؟
هل يمكن أن تكون مأساة السودان هي شرارة وعي جديد ، وصحوة ضمير عربي طال انتظارها؟
وهل كُتب للتاريخ أن يبدأ دورانه من السودان الذي ظل يُقاتل وحده معتمداً على ربه وشعبه؟؟ في رحلة جمع شتات الأمة، وبناء قوة عربية ترتقي فوق حسابات المصالح وأوهام المحاور؟
إن الإجابة، هذه المرة، ليست بيد الحكومات وحدها. إنها بيد الشعوب، والنخب، والإعلام، والضمير العربي الجمعي. فلنرفع أصواتنا من خرطوم اللاءات الثلاث وتناديكم… بألا تتركوها وحدها لوحوش الغرب وحلفاء السوء . فهل من مجيب ..فهل من مجيب ؟؟
Elhakeem.1973@gmail.com