الخميس, نوفمبر 13, 2025
الرئيسيةمقالات(((حين يضيع الأمل بين المكاتب المغلقة… وجع العاملين وضياع أحلام الخريجين))). ...

(((حين يضيع الأمل بين المكاتب المغلقة… وجع العاملين وضياع أحلام الخريجين))). ابراهيم محمد عبدالمحمود

في بلدٍ أنهكته الحرب، وتفرقت مؤسساته بين النزوح والانقسام، يظل الجهاز القومي لتشغيل الخريجين شاهدًا على جرحٍ آخر… جرح فقدان الأمل.

كان هذا الجهاز، منذ تأسيسه قبل أكثر من عقدين، أحد أهم أدوات الدولة في محاربة البطالة، ومنصةً لتأهيل الخريجين ودمجهم في سوق العمل.
لكن اليوم، بعد سنوات الحرب الأخيرة، لم يعد الصوت الذي كان يبشر بالفرص قادرًا على تجاوز صدى الخلافات، ولا المكتب الذي كان يوزع الأمل إلا صامتًا يئن تحت وطأة الإحباط.
يعيش موظفو الجهاز حالة من الإحباط العميق، بعد أن تحولت بيئة عملهم إلى ساحة للتهديد والخوف وفقدان الحقوق.
فبدلًا من الاجتماعات التي كانت تُقيم خطط التشغيل والمبادرات التنموية، أصبحت الأبواب مغلقة، والموارد منهكة، والمخصصات تذوب في مساراتٍ لا يعرفها أحد.

القرارات الفردية، والإقالات المتكررة، وتعليق مهام الإدارات… كلها مشاهد متكررة في مؤسسةٍ كانت ذات يوم نموذجًا للالتزام والانضباط.
أما اليوم، فصارت مثالًا على كيف يمكن لسوء الإدارة أن يهدم إرثًا امتد لأكثر من عشرين عامًا.

الحرب التي اجتاحت البلاد لم تكتفِ بتدمير البنية التحتية والاقتصاد، بل ضربت أيضًا الروح المعنوية للكوادر التي ظلت تقاوم من داخل مؤسسات الدولة.
ففي ظل توقف المشاريع الإنتاجية، وتراجع التمويل، وتزايد أعداد الخريجين بلا فرص، أصبح الجهاز القومي لتشغيل الخريجين طوق نجاة مفقودًا وسط بحرٍ متلاطم من الأزمات.

الخريجون الذين كانوا يتطلعون إلى فرص تدريب وتشغيل حقيقية، وجدوا أنفسهم أمام مؤسسةٍ عاجزة عن حمايتهم أو حتى حماية موظفيها.
وبدلًا من إطلاق المبادرات لسد فجوات الحرب، تراجعت الخطط، وتبددت البرامج، وذابت الطموحات في دوامةٍ من الوعود المؤجلة.

أما المتابعون لمسيرة الجهاز، فيشعرون اليوم بالحسرة على مؤسسةٍ وطنية كان لها حضورها في كل ولايةٍ من ولايات السودان.
كانت تمد يدها للشباب في الريف كما في المدن، تدعم المشاريع الصغيرة، وتعيد الثقة في جدوى التعليم والعمل.
لكنها اليوم، تقف على حافة الانهيار، مثل كثيرٍ من مؤسسات الدولة التي تآكلت بين الحرب والإدارة الخاطئة.
إن المذكرة التي رفعها موظفو الجهاز إلى وزير العمل لم تكن مجرد شكوى إدارية، بل نداء استغاثةٍ باسم جيلٍ كاملٍ من الخريجين.
نداءٌ لاستعادة ما تبقّى من روح العمل العام، وإعادة الثقة في أن الدولة لا تزال قادرة على حماية مؤسساتها وكوادرها.

ورغم هذا المشهد القاتم، يبقى الأمل ممكنًا.
فما تزال في هذه البلاد كفاءات صادقة تؤمن بالعمل لا بالكراسي، وبخدمة الناس لا بالسلطة.
وما دام هناك من يرفع صوته دفاعًا عن العدالة والمهنية، فستظل هناك فرصة لإصلاح ما أفسدته السنوات، وإعادة بناء مؤسساتنا على أسسٍ من النزاهة والكفاءة.

فقد تُهزم المشاريع، لكن لا يُهزم الإيمان بالفكرة.
والجهاز القومي لتشغيل الخريجين يمكن أن يعود أقوى، إن صدقت النوايا، وتوحّد الجهد، واستعيدت الروح التي وُلد منها ذات يوم… روح الأمل والعمل.

والسلام ختام

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات