الجمعة, أكتوبر 31, 2025
الرئيسيةمقالاتاغتيال في الصمت: حكاية حسنين الذي رحل تاركًا أمه وأطفاله في انتظار...

اغتيال في الصمت: حكاية حسنين الذي رحل تاركًا أمه وأطفاله في انتظار لا ينتهي كتبت: انتصار فضل الله

في أحد أحياء مدينة أبو سعد غرب أم درمان – كان يعيش رجل بسيط اسمه حسنين إبراهيم جادين آدم، كان صوته الهادئ وابتسامته الودودة كفيلين بأن يعرفه الجميع يعمل بجدٍّ، يعول أسرته الصغيرة، ويرعى والدته المسنة، ويحتضن أبناء شقيقته الأيتام بعد رحيل والديهم كما لو كانوا أبناءه.

لم يكن حسنين مجرد أبٍ لأربعة أطفال – محمد (12 عامًا)، يوسف (10 أعوام)، إبراهيم (7 أعوام)، والبراء (5 أعوام) – بل كان السند الوحيد لعائلة بأكملها، يحمل همّ الجميع على كتفيه بصبر ورضا.

يوم الاقتحام… حين انكسر الأمان

في صباحٍ ثقيلٍ من 23 يناير 2025، اخترقت عناصر من قوات الدعم السريع المتمردة التي كانت تسيطر على المدينة هدوء المنزل البسيط في مربع 19.

اقتحموا الأبواب بعنف، وأمام عيون الأطفال ودموع الأم والزوجة، اعتقلوا حسنين دون ذنب، دون مذكرة، دون حتى تفسير.

اقتادوه إلى مكان مجهول، وانقطع خبره منذ تلك اللحظة.

تحولت ليالي أسرته إلى انتظارٍ طويلٍ مثقلٍ بالخوف، وأيامٍ لا تعرف إلا الدعاء والرجاء.

ابتزاز في قلب المأساة

لم تكتفِ القوة المتمردة بخطف ربّ البيت، بل عاشت الأسرة كابوسًا جديدًا:
رسائل غامضة، وابتزاز مالي من عناصر مجهولين ادعوا أنهم يعرفون مكانه، وأن بإمكانهم “إحضاره” مقابل المال.

لكن، كيف لأسرةٍ فقدت عائلها وتعيش في حصار اقتصادي خانق أن تدفع ثمنًا للرحمة؟
كانت الزوجة تحاول تهدئة أطفالها، بينما تتشبث الأم المسنّة بصورة ابنها، تنتظر صوته، تنتظر أي خبرٍ يؤكد أنه ما زال حيًّا.

ظروف الاحتجاز… ومعاناة تنتهي بالموت

تؤكد مصادر محلية وشهادات من داخل المنطقة أن حسنين تعرّض للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازه، وبحسب أسرته انه كان يعاني من حصوات في الكلى تتطلب شرب الماء باستمرار، لكنّه حُرم من الماء والعلاج، حتى تدهورت حالته الصحية ولفظ أنفاسه الأخيرة داخل المعتقل.

رحل بصمتٍ تام، دون وداع، ودون جنازة، ودون أن يعرف أحباؤه مكان دفنه حتى اليوم.

بعد الرحيل… بيت منهوب ودموع لا تجف

لم تكتفِ الأيادي التي اختطفت حسنين بموته، بل نهبت منزله وسرقت كل ما تملكه الأسرة، حيث أُفرغ البيت من محتوياته، وامتلأت جدرانه بصدى غياب الأب، وزوجته وأطفاله الأربعة يعيشون اليوم في ظروف إنسانية قاسية لا يملكون سوى الذكريات والأسئلة المؤلمة، “هل سنرى والدنا مرة أخرى؟”.. سؤال يردده الصغار كل مساء في انتظارٍ طويلٍ بلا إجابة.

نداء العدالة

تطالب أسرة حسنين إبراهيم والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية بضرورة فتح ملف القضية وإجراء تحقيق عاجل ومستقل في الحادثة، ومحاسبة المسؤولين عن الاعتقال والتعذيب والوفاة بالإضافة إلى الكشف عن مكان دفنه وتسليم الجثمان لأسرته،
إلى جانب توفير الحماية والمساعدة الإنسانية لأسرته التي فقدت معيلها، وإدانة دولية واضحة لهذه الانتهاكات التي تخالف القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.

نهاية حزينة… وبداية وعي

قصة حسنين ليست مجرد خبرٍ عابر، بل حكاية إنسان سوداني صادق سقط ضحية لعنفٍ لا يرحم، ترك وراءه أمًّا مكلومة، وأطفالًا يفتقدون الدفء، وزوجةً تكافح للبقاء.

لكنها أيضًا شهادة على وجع أمة بأكملها، تبحث عن العدالة وسط الركام، وعن الأمل وسط الخراب، وربما سيأتي يومٌ يُقال فيه “عاد الحق لأصحابه، وسُمِع صوت المظلومين.”

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات