الثلاثاء, أكتوبر 14, 2025
الرئيسيةمقالاتمَنْ يَجْرِّمُ مَنْ حَمَلَ الرَّايَة؟ الحقيقة...

مَنْ يَجْرِّمُ مَنْ حَمَلَ الرَّايَة؟ الحقيقة الكاملة حول حادثة مستشفى عطبرة والقوات المشتركةرسالة من قلب الجرح إلى ضمير الوطن. إعداد وصياغة: الإعلامية عبير نبيل محمد _ الدامر – ولاية نهر النيل13 أكتوبر 2025م


في زمن تُسطّر فيه الأخبار أكثر مما تُوثّق، وتُسوّق الأكاذيب باسم الحقيقة، تصبح مسؤولية الكلمة واجبًا وطنيًا.
حادثة مستشفى عطبرة الأخيرة مثّلت نموذجًا واضحًا لكيف تُختلق الأكاذيب لتشويه صورة من دافعوا عن الوطن، وتقليب الحقائق رأسًا على عقب.

هناك أشياء لا تُقال بالهمس، وهناك حكايات لا تكفيها الكلمات. لكني أصرّ أن أفتح فمي الآن، لا بد أن يقرأ الناس ما لم يُراد لهم أن يفرغوه من معنى. يجرّمون من حملوا الراية، ويصفونهم بأنهم خارجون، بينما من أكلوا الوطن نهبًا وبيعًا يتحدثون باسم الحق، وكأن الأرض ملك لهم وحدهم.


✦ أَوَّلًا: تَفَاصِيلُ الحَادِثَة ✦

في مساء الاثنين 13 أكتوبر 2025م، شهد محيط مستشفى عطبرة التعليمي حادثة مؤسفة تمثلت في مشادة محدودة بين أفراد عسكريين لا يتبعون للقوات المشتركة – ولاية نهر النيل، تطورت إلى إطلاق نار فردي أسفر عن وفاتين في الحال.

تحركت الشرطة الجنائية فورًا، وباشرت إجراءاتها القانونية، وتم توقيف المتورطين والتحقيق معهم تحت إشراف الجهات المختصة.

وتؤكد القوات المشتركة – ولاية نهر النيل أن ما نُشر في بعض الوسائط الإعلامية حول ربط اسم القوات المشتركة بقوة تتبع للقائد الميداني صلاح رصاص لا أساس له من الصحة، وأنهم ليست جزءًا من القوات المشتركة.

وتؤكد القيادة التزامها الكامل بالانضباط العسكري، وحرصها الدائم على صون أرواح المدنيين والمرافق الحيوية، ورفضها القاطع لاستخدام اسم القوات المشتركة في أي عمل فردي أو خارج عن القانون.


✦ ثَانِيًا: السِّيَاقُ الوَطَنِيُّ وَالتَّارِيخِيّ ✦

منذ تحرير الخرطوم وما بعدها، تتعرض القوات المشتركة لحملات إعلامية موجهة هدفها طمس تضحياتها وتشويه صورتها أمام الشعب.
أصحاب الفتن استغلوا الفوضى والاختلافات لإحياء الخطاب الجهوي والعنصري، بينما بقي رجال القوات المشتركة في الميدان، يحمون المدن ويؤمنون حياة المواطنين في ظروف قاسية، دون انتظار مقابل أو شكر.

وهنا تظهر التعبيرات الساخرة والاتهامات المضللة بعد تحرير الخرطوم: بعضهم يقول إن القوات المشتركة “قاعدة لي تمشي دارفور تحريرها”، وكأن تحريرها جاء بأيديهم فقط، أو يلومونهم على عدم تحريك القوات لتحرير الفاشر فورًا، وكأن القوات أو الجيش لا يواجهون ظروفًا صعبة ومعقدة.

أغرب من هذا القول: من منا يعلم ما يمر به الجندي المقاتل؟ أيًّا كانت جهته، فهو جندي الوطن. لديه طاقة محدودة، أمراض، خطط عسكرية، مساحات شاسعة للاستنزاف، موارد دولة محدودة، مواطنون عزل لا حول لهم ولا قوة، وأشياء لا يُفصح عنها حفاظًا على سرية الموقف.

فكيف لنا مجرد كلمات نكتبها ولا نلقي لها فهمًا؟ ليس كل ما يُقال عن التحرير يعكس الواقع؛ القوات المشتركة قامت بواجبها تحت ظروف صعبة، ولم يُغفل أي موقع حررته، سواء الخرطوم أو الفاشر. الأرض لم تكن ملكًا لفئة، بل الحرية والسلام مسؤولية مشتركة لكل من دافع عن الوطن.

سأقولها بلا تزييف: من يصفون أهل دارفور بأنهم «غرباء» هم نفسهم الذين باعوا الضمائر، وهم من جعلوا الوطن صندوقًا لمصالح ضيقة. هل هذا جزاء من دافع عن بيته؟ من يحرس الأرض ويصون العرض؟


✦ ثَالِثًا: مَنْ يَجْرِّمُ مَنْ دَافَعَ عَنْ الوَطَن؟ ✦

في الفاشر ونيالا وزالنجي، يقاتل أبناء القوات المشتركة داخل أرضهم وبين أهلهم، يواجهون الحصار والجوع، ومع ذلك لا يبدّلون مواقفهم.
من الظلم أن تُحوَّل شجاعتهم إلى تهمة، بينما المجرم الحقيقي ينعم بالأمن وسط فوضى الأكاذيب.

تعلّمنا من الحرب درسًا واحدًا لا يجوز أن ننساه: النار لا تفرق بين من حمل السلاح دفاعًا عن وطنه أو من حمله لقتل وطنه. من تعلم فنون السلاح في الحروب لا يعني أنه جاء ليزرع الفتنة، بل إنه عرف معنى الأرض، معنى أن تحمي بيتك ونسلك عندما لا يحميك أحد.

وإن كان في كل بيت الآن مدافع وسلاح، فذلك نتيجة تراكم غياب الأمن لفترات طويلة — لا يبرّر تجريم مدافعي الوطن بلا محاكمات عادلة وبلا تحقيق نزيه.


✦ رَابِعًا: انْضِبَاطُ القُوَّاتِ المُشْتَرَكَة وَمَوْقِعُهَا المَيْدَانِيّ ✦

القوات المشتركة ليست حلمًا عابرًا ولا مجموعة من سماسرة الحرب؛ هي تنظيم من أبنائنا الذين تعلّموا معنى الانضباط والتضحيات.

انضباط تام في تنفيذ الأوامر وحماية المواطنين والمنشآت الحيوية.

مشاركة فعّالة في ميادين القتال من الخرطوم إلى دارفور.

سرية واحترافية في إدارة العمليات العسكرية حفاظًا على أرواح الناس وسلامة الوطن.

هم رجالات عانوا الصعاب، وبذلوا من دمائهم ونفوسهم حتى يبقى لمواطن مكان يأوي إليه. ليس ذنبهم أن الحرب التهمت وطنًا لعقدين، وأن الألم لا يزال ينزف في دارفور والفاشر حيث المجاعة والظلم باقٍ منذ زمن طويل.


✦ خَامِسًا: الدَّعْوَةُ لِلْعَدَالَةِ وَالمُصَالَحَة ✦

من المؤلم أن ترى أبناء الفاشر — الذين عاشوا قهرًا ومجاعة وحرمانًا — يصبحون أداة في لعبة الاتهامات. بعضهم اليوم محاصرون في أرضهم، يقاتلون دفاعًا عن ما تبقى لهم من كرامة ووجود. ومن لم ير هذا الألم لا يعرف معنى الصمود.

نحن نريد:

قانونًا، محاكمات عادلة، ولجان تحقيق مستقلة تضع الحق في مكانه.

إعادة إعمار حقيقية للفاشر ولغيرها من المناطق الجريحة: مدارس، مستشفيات، خدمات، فرص عمل.

مصالحة تُعيد للناس كرامتهم بلا مهادنة مع الجناة وبلا تسويف.

وقفة وطنية ضد خطاب الكراهية وفضح كل من يروج للفِرقة باسم الدين أو الجغرافيا.

حماية المؤسسات المدنية وجعلها خطوطًا حمراء لا يجرؤ أحد على تلفيق الصراع فيها.

إرجاع الحق لأصله: العدالة لا تُعطى بالكلام الرنان، بل تُنتزع عبر محاكمات نزيهة وشفافة.

لا تغتالوا تاريخ من دافع عن الوطن باسم أكاذيب يتم تداولها صباحًا ومساءً على شاشات لا تعرف الرحمة. لا تجعلوا من تضحيات أعطت الوطن ظهرها غطاءً لمصالح ضيقة. دعوا القوة المشتركة تواصل دورها كحاجز للمواطن، لا كمختبر لاختبار أحكام مسبقة؛ دعوا الحقيقة تتحدث، ولا تتركوا للجهل أن يهمشها.


✦ فِي نِهَايَةِ القَوْل: مَنْ يَحْمِلُ الرَّايَة ✦

لا يريد سلطات مبتورة، بل يريد وطنًا يضمّه وحقوقًا تُستعاد. ومن يظن أن الوطن ملك لفئة محددة فليبق معزولًا في متاهاته. الوطن للناس، والعدالة هي التي تبني الوطن، لا الأكاذيب ولا الشائعات.


✍️ بِقَلَم: عَبِير نَبِيل مُحَمَّد

ٱلْحَقِيقَةُ لا تُرْوَى بِالصَّوْتِ الأَعْلَى، بَلِ بِالدَّلِيلِ الأَوْضَح…
سَلامٌ وَأَمَانٌ فَالْعَدْلُ مِيزَانٌ

تَوْقِيعٌ لا يُنْسَى – اِمْرَأَةٌ مِنْ حِبْرِ النَّارِ

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات