الثلاثاء, أكتوبر 14, 2025
الرئيسيةمقالاتزاوية خاصة ...

زاوية خاصة نايلة علي محمد الخليفة المظاهر المسلحة داخل المدن… خطر يهدد ما تبقى من أمن السودان

ما الذي يدعو لوجود القوات المشتركة داخل المدن والولايات الآمنة؟ ، سؤال بات يفرض نفسه بقوة مع تصاعد موجة التفلتات الأمنية التي تشهدها بعض الولايات ، من قبل منسوبي هذه القوة ، والتي كان آخرها بالأمس حادثة مستشفى عطبرة المأساوية ، حين تحوّل مكان يُفترض أن يكون للشفاء والعلاج إلى ساحة دم وذعر ، راح ضحيته عدد من الأبرياء ، في مشهد صادم يعكس حجم الخلل الأمني الذي صنعته هذه القوات داخل المدن.

من المؤسف أن تتحول القوات المشتركة ، التي تتبع للحركات الموقعة على اتفاق جوبا ، إلى مهدد بدلاً من تحقيق الأمن وبسط الاستقرار ، بل تحولت إلى مصدر تهديد مباشر للمواطنين ، وإلى عنوان للتفلت والفوضى ، لم تعد هذه الحوادث معزولة أو فردية ، بل أصبحت سلوكاً متكرراً يشي بفقدان السيطرة وغياب الانضباط ، مما يستوجب وقفة جادة من الجهات المسؤولة.

حادثة عطبرة لم تكن الأولى ، ولن تكون الأخيرة ما لم يُتخذ موقف حاسم بشأن أماكن تواجد هذه القوات ، فقد شهدت مدن أخرى خلال الأشهر الماضية اشتباكات مماثلة بين أفراد من القوات المشتركة والمدنيين في الشوارع والمستشفيات والأسواق ، وكلها تؤكد أن هذه القوات فقدت الهدف الذي وجدت من أجله ، وتحولت إلى عبء أمني بدلاً من أن تكون سنداً للدولة ومؤسساتها.

الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا مطالَبة اليوم بتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية ، وإعادة انتشار قواتها إلى مناطق العمليات في كردفان ودارفور ، حيث تدور معارك ضارية وتتعاظم معاناة المدنيين في الفاشر التي ترزح تحت حصار خانق ، فبدلاً من التمركز داخل المدن الآمنة واستعراض السلاح بين المدنيين ، كان الأجدر بها أن تسهم في فك الحصار عن الفاشر ، وأن توجه طاقتها إلى مواجهة من يهدد وحدة السودان لا من يبحث عن العلاج في مستشفياته.

حتى لا تتحول القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة إلى دعم سريع النسخة الثانية ، يجب وضع النقاط على الحروف قبل أن يسبق السيف العزل ، وهذا يستلزم إجراءات واضحة ومُلزِمة ، تفريع الألوية والوحدات عن الولاءات المناطقية إلى سلاسل قيادية موثقة ، سحب الأذرع المسلحة من المرافق المدنية وتحديد نقاط انتشار ثابتة خارج المدن ، فرض برامج تأهيل تدريبية مكثفة توازي معايير الجيش والشرطة ، وإقامة آلية رقابية تراقب الانضباط وتحقق في الخروقات فوراً ، كما ينبغي أن تُحدد مواعيد زمنية لإعادة الانتشار مع عقوبات واضحة على المخالفين ، إضافة إلى إشراك المجتمع المدني والمجالس المحلية في مراقبة تنفيذ هذه الترتيبات لضمان عدم إفلات المظاهر المسلحة من أي مساءلة ، والأهم من كل ذلك الإسراع في عملية دمج هذه القوات ، وتسريح من لم تنطبق عليه معايير إعادة الدمج.

إن تكرار الحوادث الأمنية داخل المدن يؤكد أن أفراد هذه القوات لم يتلقوا التدريب الكافي الذي يؤهلهم للتعامل بانضباط ومسؤولية ، فهم ليسوا بمستوى الاحترافية والانضباط الذي تتميز به القوات النظامية من جيش وشرطة وأمن ، مما يجعل وجودهم داخل المدن خطراً حقيقياً على المجتمع.

لقد آن الأوان لأن تعيد الدولة نظرها في انتشار هذه القوات ، وأن تُسحب من داخل المدن والمناطق الآمنة فوراً ، فوجودها بهذا الشكل لا يحقق أمناً ولا استقراراً ، بل يزيد من الاحتقان ويفتح الباب أمام المزيد من الدماء.

إن الأمن لا يُصنع بالانتشار العشوائي للسلاح ، ولا بحمل البندقية في الطرقات ، بل بالانضباط ، واحترام القانون ، وتوحيد القوة المسلحة تحت راية الجيش الواحد ، وما لم تُحسم هذه الفوضى ، فسنظل نحصد نتائجها كل يوم في أرواح الأبرياء ودماء المدنيين ، حتى يغدو الأمن مجرد ذكرى في وطن أنهكته البنادق… لنا عودة.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات