السبت, أكتوبر 4, 2025
الرئيسيةمقالاتالمفارقة السودانية: ذهبٌ يصعد ومحاصيل تنهار بقلم/ أبوعبيده...

المفارقة السودانية: ذهبٌ يصعد ومحاصيل تنهار بقلم/ أبوعبيده أحمد سعيد محمد saeed.abuobida5@gmail.com


في مشهد يلخص مأساة الاقتصاد السوداني، تتهاوى أسعار المحاصيل الزراعية في بورصة القضارف، بينما يقفز الذهب والدولار يوميًا في سوق المضاربة بمدينة الحديد والنار عطبرة، ليُجسد واقعًا عبثيًا يعيش فيه المزارع الخاسر والمضارب الرابح.
انهيار أسعار المحاصيل… تدمير للإنتاج الوطني
 اظهرت الاخبارالأخيرة من بورصة القضارف تراجعًا كبيرًا في أسعار المحاصيل:
الذرة الرفيعة: بين 135,000 و140,000 جنيه للأردب.
الدخن: بين 195,000 و210,000 جنيه للأردب.
السمسم: 157,000 جنيه للأردب.
التسالي: بين 1,959,000 و2,115,000 جنيه.
هذا التراجع لا يعكس فقط أزمة تسويقية، بل يمثل تدميرًا حقيقيًا للإنتاج الوطني، إذ يخسر المزارع موسمه بالكامل ولا يجد حتى ما يغطي تكلفة الإنتاج.
في بلد مثل السودان، كان يمكن للمحاصيل الزراعية – لو وُجدت السياسات الداعمة – أن تكون المصدر الأول لجلب العملات الحرة عبر التصدير، وتصبح بديلًا حقيقيًا للاعتماد المفرط على الذهب.
الحاجة لتدخل المخزون الاستراتيجي
مع استمرار الحرب وعدم استقرار الأوضاع، يصبح من الضروري أن يتدخل المخزون الاستراتيجي لشراء الذرة بأسعار مجزية للمزارعين.
هذا التدخل لا يضمن فقط حماية المزارع من الخسارة، بل يؤمن أيضًا مخزونًا غذائيًا وطنيًا يحمي البلاد من تقلبات السوق والمجاعات، ويمنع انهيار الإنتاج الزراعي الذي يمثل خط الدفاع الأول عن الأمن الغذائي في زمن الحرب.
في المقابل… الذهب والدولار وقود المضاربة
بينما تتهاوى أسعار المحاصيل، يواصل الجنيه السوداني فقدان قيمته، ويصعد الذهب والدولار كأدوات مضاربة:
 الدولار: قفز من 560 جنيهاً (أبريل 2023) إلى 3,613 جنيهاً (أكتوبر 2025) بزيادة تفوق 545%.
الذهب (عيار 21) في عطبرة:
— 30 سبتمبر 2025: 368,000 جنيه للجرام.
— 1 أكتوبر 2025: 375,000 جنيه للجرام.
— زيادة يومية: 7,000 جنيه للجرام (+1.9%) رغم ثبات الأسعار عالميًا.
بلا إنتاج ولا عرق جبين، يربح المضارب في يوم واحد ما لا يستطيع المزارع تحقيقه في موسم كامل.
غياب الدولة… وسيادة المضاربة
 البنك المركزي غائب عن إدارة السوق، بل زاد الأزمة باحتكار صادر الذهب وفق منشوره 14/2025.
وزارة المالية عاجزة عن إعداد موازنة حقيقية.
وزارة التجارة فقدت أدواتها الرقابية.
وزارة المعادن تركت الذهب رهينة للمضاربين، بدلًا من تحويله إلى مورد استراتيجي منظم.
النتيجة: تحويل الاقتصاد من إنتاج زراعي وصناعي إلى اقتصاد مضاربة مالية.
المواطن بين نارين
 الأسعار الاستهلاكية تتضاعف مع كل قفزة في الدولار.
دخول الأسر لم تعد تغطي سوى الحد الأدنى من الاحتياجات.
أكثر من 80% من السودانيين تحت خط الفقر العالمي.
المفارقة الكبرى
المزارع الذي يُفترض أن يكون عماد الاقتصاد الوطني يقف اليوم خاسرًا أمام محصول لا يجد من يشتريه، فيما يحقق المضارب أرباحًا هائلة من بيع وشراء جرامات ذهب.
انهيار المحاصيل الزراعية = تدمير الإنتاج وخسارة مورد للعملات الحرة.
صعود الذهب والدولار = مضاربة مالية تُعمق الأزمة بدل حلها.
الخلاصة: السودان بحاجة إلى إنتاج حقيقي يقوده المزارع
ما يجري اليوم ليس مجرد أزمة أسعار، بل حرب مالية صامتة تُدار بالمضاربة.
الحل يكمن في:

  1. إعادة بناء مؤسسات الدولة النقدية والمالية.
  2. تشجيع الإنتاج الزراعي وتوجيهه للتصدير كرافعة أساسية لجلب العملات الحرة.
  3. تدخل المخزون الاستراتيجي لشراء الذرة وحماية الأمن الغذائي الوطني.
  4. تطوير الإنتاج الزراعي إلى صناعات تحويلية (من الحقل إلى المصنع) لإنتاج الزيوت والأعلاف والمنتجات الغذائية، بما يرفع القيمة المضافة، ويوفر فرص عمل، ويزيد حصيلة الصادرات.
  5. تنظيم صادر الذهب وتحويله إلى مورد داعم، لا أداة مضاربة.
  6. وضع سياسات نقدية ومالية شفافة تُعيد الثقة في الجنيه السوداني.
    فبدون العودة إلى إنتاج حقيقي يقوده المزارع ويتطور إلى صناعات تحويلية، سيظل الاقتصاد رهينة المضاربة، وستبقى الحرب الاقتصادية مشتعلة حتى لو صمت الرصاص.
مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات