الجمعة, أكتوبر 3, 2025
الرئيسيةمقالاتالدبلوماسية المباشرة.. بين قوة الوضوح وحكمة التوازن.. ...

الدبلوماسية المباشرة.. بين قوة الوضوح وحكمة التوازن.. بقلم/ د. إسماعيل الحكيم..


توقفت طويلاً حين أطلق رئيس مجلس الوزراء السوداني د. كامل إدريس مصطلح «الدبلوماسية المباشرة» عقيب عودته من إجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 80. فحتماً لم يكن يسعى إلى تجميل خطاب سياسي عادي ، بقدر ما كان يرسم ملامح نهج جديد يريد أن يميز حكومته التي اختار لها اسم «الأمل». المصطلح يضاف الي كثير من المصطلحات السياسية التي عرف بها سياسيون أفذاذ.. كالترابي والمهدي رحمهما الله وغندور.. فهو ليس تعبير لغوي طارئ، بل هو إعلان نوايا وعربون توافق، بلغة أقرب إلى الميثاق منها إلى الشعار.
الدبلوماسية كما يعرفها التاريخ الإنساني فنّ الموازنة بين المصالح والمخاطر، ومهارة السير بين خيوط رفيعة من الكلمات والإشارات. وقد ارتبطت – في أذهان كثيرين – بالمواربة واللغة المزدوجة، حيث يُقال شيء ويُراد غيره، وتُصاغ المواقف بما يسمح بأكثر من تفسير. لكن إدريس أراد أن يقلب هذه الصورة رأساً على عقب، فطرح مفهومه الجديد في وضوحٌ مكان الغموض، و في جرأةٌ مكان الاحتياط.
إن «الدبلوماسية المباشرة» ليست مغامرة بلاغية فحسب، بل هي رهان سياسي على أن العالم – في زمن الأزمات الكبرى والتحديات العاصفة – لم يعد يحتمل لغة المراوغة الطويلة ولا الخطاب الموارب. لقد باتت الصراحة أحياناً أكثر إقناعاً من الغموض، والجرأة أكثر قدرة على بناء الثقة من الحذر المبالغ فيه.
ومع ذلك، يظل السؤال مشروعاً.. هل تكفي هذه الصراحة كي تحقق ما يصبو إليه رئيس الوزراء من نجاح لحكومته؟ وهل يمكن أن تبني «الدبلوماسية المباشرة» جسور المحبة والسلام بين الدول، وتدفع عن السودان عواصف الخلاف والكراهية؟
أحسب أن الإجابة لن تأتي من جمال العبارة وحدها، بل من قدرة التجربة على الصمود في ميدان السياسة الدولية، حيث تتصارع المصالح وتُختبر المبادئ. فإن استطاعت «الدبلوماسية المباشرة» أن تجمع بين قوة الوضوح وحكمة التوازن، فقد تسهم في تحويل حكومة الأمل من مجرد تسمية إلى واقع ملموس، يُعيد للسودان مكانته ودوره الطليعي، ويُثبت أن الجرأة لا تعني التهور، وأن الوضوح لا يلغي مرونة التفاوض، بل يمنحه صدقية يحتاجها عالم تتكاثر فيه الشكوك.
في النهاية، قد يكون مصطلح «الدبلوماسية المباشرة» علامة فارقة في القاموس السياسي السوداني، لكنه سيبقى رهين التطبيق إمّا أن يصبح نهجاً يفتح الأبواب، أو يتحول إلى شعار جميل يذروه هواء الخطابات.0.

Elhakeem.1973@gmail.com

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات