الجمعة, أكتوبر 3, 2025
الرئيسيةمقالاتترسين.. حين يُطمر البشر وتصمت الدولة ...

ترسين.. حين يُطمر البشر وتصمت الدولة بقلم : مهدي داود الخليفة

لم يكن الانهيار الأرضي الذي ابتلع قرية ترسين في جبل مرّة مجرد كارثة طبيعية، بل كان امتحاناً للضمير الإنساني والسياسي في السودان وخارجه.

أكثر من ألف نفس أزهقتها المأساة، هزّت الضمير العالمي، فبادرت دول شقيقة كقطر، ومؤسسات إقليمية كالاتحاد الأفريقي، إلى تقديم التعازي والتعبير عن التضامن. غير أن حكومة السودان التزمت صمتاً بارداً، وكأن الضحايا لا ينتمون إلى هذا الوطن.

في أي دولة تحترم نفسها، يُعلن الحداد العام عند سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا، بل حتى لو كانوا بالعشرات أو أقل. لكن في السودان، لم نجد إلا محاولات للتقليل من حجم المأساة، وصلت حد الادعاء أن الضحايا “شخصان فقط”! أي استخفاف هذا بالدم السوداني؟

لقد اعتدنا من الأنظمة المتمركزة في الخرطوم التعامل مع كوارث دارفور بوصفها “هامشية”، تُطمس حقائقها ويُسخّر الإعلام المأجور لتشويهها. حتى الكوارث الطبيعية، أُدخلت في دهاليز السياسة، لتُستخدم كأداة تصفية حسابات وتشويه للآخرين.

يقول الله تعالى:

﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ۖ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].

فهل تختلف قيمة النفس في دارفور عن غيرها؟ وهل يُسقط موت الألف عن الدولة واجبها في الحداد، بينما في دول العالم نرى الحداد يُعلن حتى على ضحايا الكوارث الصغيرة؟

كارثة ترسين ليست مجرد حدث عابر، بل مرآة تكشف أزمة السودان: دولة غائبة عن واجبها، سلطة أسيرة الحسابات الضيقة، ونظام لا يرى في مواطنيه إلا أرقاماً قابلة للمحو.

ومع ذلك، بقيت الضمائر الحية في الداخل والخارج تنبض بالرحمة والتضامن، لتؤكد أن دماء أهل دارفور ليست رخيصة، وأن المأساة ستظل شاهداً على الفشل الأخلاقي والسياسي للسلطة.

إن أرواح شهداء ترسين تصرخ في وجهنا جميعاً: أوقفوا الحرب، وارفعوا المزايدات، واتركوا للإنسانية أن تتقدم على السياسة.

فالموت لا يُقاس بالعدد، بل بحرمة النفس البشرية التي كرّمها الله. ووصمة العار ستظل تلاحق كل من استهان بهذه الفاجعة، أو حاول طمسها.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات