ضَيَّعنا وادي حلفا بما يحمله من حضارة وتراث وذاكرة إنسانية ضاربة في عمق التاريخ، وتركنا حلايب وشلاتين وأبو رماد بما فيها من ثروات ومعادن نادرة رهينةً لغيرنا، فيما تحولت الفشقة الزراعية الخصبة إلى ساحة نزاعٍ واستباحة. هذه ليست مجرد مناطق حدودية، بل هي شواهد على حجم الإهمال الذي لازم قضايا السيادة الوطنية لعقود، حتى صار الوطن مهدداً في أرضه وثرواته ومستقبله.
إن السودان ليس للبيع، هذه حقيقة يجب أن تُقال بصوتٍ عالٍ في وجه كل من يحاول التهوين من قيمة الأرض أو المساومة عليها. نحن نحترم الجار ونمد أيادينا للتعاون الاقتصادي والاجتماعي والتجاري من أجل مصلحة مشتركة، لكن لا احترام لجارٍ يسلب حقوقنا، ولا قبول لأي علاقة تُبنى على الاستهانة والاستغفال، ولا تسامح مع تغلغل أجهزة المخابرات الأجنبية في عمق ترابنا الوطني.
لقد طال صبر الشعب السوداني، وطال زمن التبعية والارتهان، حتى أصبح قرارنا السياسي في كثير من الأحيان مرهوناً بغيرنا. وهذا الوضع لم يعد يُحتمل. أرض السودان هي عنوان وجوده، والتفريط فيها خيانة لا تغتفر. من حقنا أن نقول بوضوح: هذه الأرض لنا، والقرار فيها يجب أن يكون سودانياً خالصاً، يصدر من الخرطوم لا من خارجها، ويعبر عن إرادة الشعب لا عن مصالح ضيقة أو حسابات مرتبكة.
إنني أرى أن الطريق لحماية سيادتنا يبدأ بالوحدة الوطنية الصلبة، وبإرادة سياسية تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. على الدولة أن تتحرك قانونياً ودبلوماسياً لحسم الملفات الحدودية، وأن تستثمر في تنمية المناطق المتنازع عليها حتى تصبح حاضرة بالناس والمشروعات، لا فارغة تنتظر من يملؤها. وفي الوقت نفسه، يجب أن تكون هناك شفافية كاملة أمام الشعب: لا مفاوضات في الظلام، ولا قرارات مصيرية تُتخذ خلف الكواليس.
رسالتنا إلى الجيران واضحة لا تحتمل اللبس: نحن مع التعاون القائم على الاحترام المتبادل، لكننا لن نرضى أبداً بعلاقات تقوم على الاستضعاف أو الاستهتار بحقوقنا. السودان ليس أرضاً سائبة، وليس فراغاً جغرافياً يُقتطع منه متى شاء الآخرون.
إن الوطن الذي ضحى من أجله الأجداد بعرقهم ودمائهم يستحق أن نصونه بكل ما نملك من قوة وإرادة. التاريخ لا يرحم من يبيع أرضه، والشعب لن يغفر لمن يتهاون في سيادته. هذه الأرض لنا ولن تكون لغيرنا، وسيظل السودان باقياً مهما تكاثرت عليه الأطماع.
ندى الحروف الأرض لنا والقرار لنا. بقلم/ إبراهيم محمد نور
