في إحدى القرى السودانية ، كان شيخ الحلة معروفًا بأنه كريم شديد الكرم ، لكن كرمه كان على حساب الآخرين ، كلما جاءه ضيف ، ضَيفهُ من غنم جاره وذبح له ، وأشبعه من اللحوم والشحوم ، ثم جلس يمدح نفسه قائلًا ” انا الكرم عندي بالوراثة ، أبوي كريم علّمني الكرم “كريم ود كريم”، وذات يوم دخل عليه صاحبه من قرية مجاورة وسأله قائلا يا شيخنا ، ده كرم شنو وإنت بتضيح غنم جارك؟ ، فأجاب الشيخ مدعي الكرم بكل ثقة: ” يازول الكرم فيهو تفاصيل؟ ، المهم الناس يمدحوك ، فقال له صاحبه وهو يهز رأسه دا كرم حرامية ، ما كرم كرماء.
هذه الحكاية تختصر بالضبط معنى إشادة ترامب بمحمد بن زايد مدح الجزار الأكبر لتلميذه النجيب ، الذي يوزّع السكاكين على الجيران ثم يقفز للمنصات الدولية متوشحًا بلقب “فارس السلام”!
حين يصف ترامب ابن زايد بفارس السلام ، فكأنما ترى الذئب يُمنح لقب “حارس الأغنام” ، أو الثعلب يُعيَّن رئيسًا لجمعية حماية الدواجن ، إنها شهادة خبرة من سيد إلى تلميذ ، فترامب القاتل تاجر الحروب والسلاح ، يعرف جيدًا أي تلميذ يستحق التصفيق.
محمد بن زايد لم يترك ساحة عربية إلا وترك فيها بصمته السوداء ، ففي غزة شارك في حصارها وتجويعها وأغلق الأبواب أمام أي دعم حقيقي يسد رمق بطون الجوعى ، بينما ينسّق مع القتلة في واشنطن وتل أبيب ، فكان شريكًا مباشرًا في المجازر ، ومهندسًا للحصار الخانق ، وظهيرًا علنيًا لآلة القتل التي تفتك بالمدنيين ، لم يكن مجرد متفرج ، بل كان اليد الخفية التي تدفع بالمال والغطاء السياسي لتجويع الأطفال ، وخنق المرضى ، ودفن الأحياء تحت الركام ، في السودان لعب دور الممول للفوضى والدم ، بدعم المليشيات وإطالة أمد الحرب حتى صار كل نزيف وراءه “شيطان العرب” ، أما في اليمن فقد جعلها ساحة خراب يزرع فيها مليشيات تمزق البلاد وتنهش جغرافيتها ، وفي ليبيا سلّح المتمردين وحوّلها إلى ساحة صراع مستمر ، ولم يغب كذلك عن العراق وسوريا حيث صب الزيت على النار وأطال أمد الحرائق.
ورغم كل هذه السيرة السوداء ، لا يتوقف تجار الدماء أصحاب الأيادي الملطخة عن منحه الألقاب اللامعة ، “قائد استثنائي” ، “رجل التسامح” ، و”فارس السلام”. أي سلام هذا؟! سلام قائم على المقابر والجثث وأشلاء الأطفال ، سلام يوزَّع ببيانات رسمية بينما تتعالى أصوات القصف والجوع والتهجير.
إنها مفارقة مضحكة مبكية ، يقتل ثم يتحدث عن “السعادة” ، يحاصر غزة ثم يفتتح “معرضًا للتسامح” ، يمول الحروب ثم يتبجح بمشاريع “الخير الإنساني” ، حقًا هو فارس ، لكن على صهوة جواد من دماء العرب والمسلمين.
لذلك حين يشيد ترامب بابن زايد ، فالأمر طبيعي جدًا ، فالمجرم الأكبر يصفّق لتلميذه المطيع ، ليست إشادة بالسلام ، بل شهادة اعتماد لآلة قتل مرخّصة ، ممهورة بتوقيع واشنطن وختم تل أبيب…لنا عودة.