الكشف عن الفساد هو أحد الأدوار المهمة التي تضطلع بها الصحافة، وهي بهذا تعتبر واحدة من أهم وسائل محاربة الفساد في الدولة.
الصحافة تقوم بممارسة دور رقابي يعتبر هو الأكبر والأعلى والأوسع نطاقاََ ويفوق في درجته وفاعليته دور البرلمانات التي تعد السلطة الرقابية على أعمال الحكومة.
ولم تعد الصحافة كما كان يقال عنها أنها السلطة الرابعة المتممة للسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، هذه المقولة تجاوزها الزمن ولم تعد تصدق على الدور الذي تقوم به الصحافة بالفعل وعلى أرض الواقع.
الصحافة في رأيي ليست سلطة موازية لهذه السلطات الثلاث، بل هي سلطة فوق هذه السلطات وأعلى منها درجة لأنها تمارس رقابة على أعمال السلطة التشريعية نفسها التي منوط بها الرقابة على أعمال الحكومة وجهازها التنفيذي.
ومؤخراََ نشطت العديد من الأقلام في تناول قضايا تصنف ضمن قضايا الفساد السياسي وبعض هذه الأقلام تخصصت في كشف هذا النوع من الفساد الذي هو الأخطر من بين أنواع وصور الفساد كونه بإختصار يمثل استخداماََ سيئاََ للسلطة العامة لأهداف غير مشروعة ولتحقيق مكاسب ذاتية أو شخصية.
ومن وقت لآخر ظل الناس يطالعون عبر الصحافة وباقلام صحفيين معروفين قضايا فساد بصور مختلفة، وهو أمر مقلق ومزعج وله آثار سالبة خاصة في هذا الظرف الذي تمر به البلاد، وهو ظرف الحرب الوجودية المعلومة للكافة والعدوان الخارجي الذي تواجهه البلاد وتكافح قواته المسلحة والقوات المساندة لها بتشكيلاتها المختلفة في صدها والدفاع عن سيادة البلاد وسلامة أراضيها وشعبها.
حقيقة حينما يطل الفساد برأسه في هذا الظرف الدقيق الحرج فيجب على الدولة أن تواجهه بحزم وبصرامة وبالسرعة المطلوبة لأنه يعتبر سلاحاََ أشد فتكاََ من السلاح الناري كونه ينخر في جسد البلاد من داخلها ويعد خيانة وطنية عظمى تستحق أقصى وأشد العقوبات.
فحينما تنشر في الصحافة وقائع ومعلومات واتهامات تتعلق بفساد جهات رسمية مسماة بالإسم تصريحاََ لا تلميحاََ، فيجب على السلطات المختصة التحرك للتحقق أولاََ من صحة هذه المعلومات والوقائع والاتهامات، فإن عُثر على أنها صحيحة تحتم عليها اتخاذ الإجراءات العدلية المنصوص عليها قانوناََ ضد الجهة أو الشخص موضع الاتهام، أما إذا لم تكن صحيحة وملفقة بغرض إشانة السمعة أو بدوافع سياسية أو شخصية ولإشاعة البلبلة وزعزعة الثقة في الحكومة وأجهزتها الرسمية فإن على الحكومة أن تحرك إجراءاتها القانونية تجاه من نشر المعلومات والاتهامات الكاذبة والمضللة سواء كانت جهة اعتبارية أو طبيعية وتوقيع أقصى العقوبات عليها.
أما الصمت والسكوت غير المبرر من الحكومة حيال هذه الاتهامات فهو يعتبر ضوء أخضر للتمادي في التشويش والتضليل ونشر الأكاذيب والتلفيقات للجهة الناشرة للمعلومات والاتهامات، وفي نفس الوقت أيضاً الصمت الحكومي يعتبر من جهة أخرى ضوءاََ أخضر حتى وإن لم تقصد ذلك للجهة التي تمارس الفساد للمضي في ممارسة المزيد منه وشعورها بالأمن من العقاب.
وكذلك من واجب الحكومة أن تملك الرأي العام والشعب الحقائق في مثل هذه القضايا حتى لا يكونوا نهباََ للتضليل وحتى لا تتزعزع ثقتهم فيها، وبالتالي يميلون إلى تصديق كل ما يطالعونه من اتهامات بالفساد ولهذا المسلك أثر سالب جداََ على التماسك الوطني ويفت في صلابة هذا الجدار القوي من الالتحام بين الشعب وقيادته في مواجهة أكبر تحدي يواجه كيان الدولة، فضلاً عن تأثيره السلبي المباشر على معنويات المقاتلين في جبهات القتال.
أضربوا بيد من فولاذ ودون رحمة على كل يد تمتد نحو مقدرات الأمة والمال العام لتنهبه وتحوله لمصالحها الخاصة مهما كانت هذه اليد كبيرة أو صغيرة ولا تأخذكم بهم رأفة في حق الشعب السوداني الذي ظل يرزح تحت نير المعاناة بكل صورها وما يزال.