ارتفعت اليوم أسراب طائرات الانتنوف في سماء الفاشر، حيث ظلت الغيوم مثقلة ببارود الحصار وأصداء القصف ، كأنها رسل بشرى، تحمل في أجنحتها وعد الفرج ونفحة النصر الموشح بدماء الشهداء الزكية . لم يكن المشهد عاديًا فالفاشر التي عانت من أطول حصار شهدته جغرافيتنا الحديثة، واستُهدفت في ظهرها بما يزيد على مائتين وأربعين هجمة غادرة، تستقبل اليوم جيشها الوطني وهو يشق الأفق بعمليات إنزال ناجحة أذابت بعضًا من جليد المعاناة، وأشعلت في القلوب جذوة الأمل بعد إنطفأ لأكثر من عامين كاملين..
تلك المدينة التي مُنع عنها حتى علف البهائم، وذُبحت على صخرة الجوع والعطش والخوف، انتفضت فجأة على وقع هدير الطائرات، فإذا بالرصاص يتحول زغاريد، ومخابئ الذعر تتحول سجدات شكر، ودموع القهر تسيل دموع فرح. لم يكن المشهد مجرد إنزال عسكري، بل كان إعلانًا بأن النفق مهما طال، فإن للضوء موعدًا محتومًا.
لقد صمدت الفاشر بصبرها وأهلها، كما صمد جيشها بمقاتليه ورجاله المستنفرين، حتى صدق فيهم القول: “وما النصر إلا صبر ساعة”. ولسان حال أهلنا في الفاشر اليوم يلهج: “شكرًا لله أولًا، ثم شكرًا لمقاتلينا الذين كتبوا بدمائهم صفحة جديدة من مجد السودان”.
إن تحليق الانتنوف في سماء الفاشر ما كان عملية عسكرية صرفة ، بل هو بشارة بمرحلة جديدة، وإشارة بأن الوطن كله على موعد مع الفتح القريب والنصر المستحق، وأن الحصار مهما طال فإنه إلى زوال، وأن الفاشر ستبقى شامخة، عصية على الانكسار وعنوانًا لصمود شعب وجيش، وبداية قصة انتصار تكتب الآن بحبر التضحية وصبر الرجال. بإذن الله تعالى.. Elhakeem.1973@gmail.com