الجمعة, سبتمبر 26, 2025
الرئيسيةمقالاتالذهب الذهب يكاد عقلي يذهب: مفارقة ما يمتلكه السودان والتدهور اليومي للجنيه...

الذهب الذهب يكاد عقلي يذهب: مفارقة ما يمتلكه السودان والتدهور اليومي للجنيه السوداني بقلم: أبوعبيده أحمد سعيد محمد saeed.abuobida5@gmail.com


ذهب القرآن.. ذهب العالم
منذ القدم، كان الذهب والفضة أساس النقد وأصل القيمة. والقرآن الكريم أشار إليهما باعتبارهما معيارًا للثروة الحقيقية:
«وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» (التوبة: 34).
لم يكن هناك ورق يُطبع بلا رصيد أو عملات تتدهور قيمتها مع كل أزمة. الذهب كان وسيبقى النقد الأكثر أمانًا عبر العصور.
من بريتون وودز إلى صدمة نيكسون
عام 1944، وُقعت اتفاقية بريتون وودز التي جعلت الدولار الأمريكي عملة العالم، بشرط ارتباطه بالذهب (35 دولارًا للأونصة).
لكن عام 1971، أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون إلغاء هذا الارتباط، فانهار النظام القديم، وأصبحت أمريكا تطبع الدولار بلا قيود، بينما ذهب العالم تدفق نحو خزائنها.
الذهب سلاح جيوسياسي
اليوم، ومع تضخم الديون وتراجع الثقة في العملات الورقية، يعود الذهب إلى الصدارة كسلاح استراتيجي. العالم كله يمتلك احتياطيات رسمية تقارب 35 ألف طن موزعة بين الدول الكبرى، ويتعامل معها كدرع سيادي لا يُمس:
• الولايات المتحدة ما زالت تحتفظ بأكبر احتياطي رسمي في العالم يقدر بنحو 8133 طنًا، أي ما يعادل حوالي 23.2% من إجمالي احتياطيات الذهب العالمية.
• ألمانيا تأتي في المركز الثاني بحوالي 3352 طنًا، أي ما يعادل نحو 9.6% من الإجمالي العالمي.
• إيطاليا تملك نحو 2452 طنًا (7.0%)، وفرنسا حوالي 2437 طنًا (7.0%) من الاحتياطي العالمي.
• روسيا راكمت نحو 2333 طنًا (6.7%) في السنوات الأخيرة لتتحصن ضد العقوبات الغربية.
• أما الصين، فاحتياطياتها الرسمية تعادل حوالي 2260 طنًا، وهو ما يمثل نحو 6.5% من الإجمالي العالمي، وهي نسبة متواضعة مقارنة بالدول الغربية، ما يفسر استمرارها في شراء الذهب بوتيرة متسارعة.
بل إن الصين بدأت تعرض أن تكون “حارس احتياطيات” لدول أخرى، في مواجهة الهيمنة الغربية التقليدية (حيث يُخزن الذهب غالبًا في بنك إنجلترا).
وهنا تبرز المفارقة السودانية المؤلمة: بينما هذه الدول تُعامل الذهب كسلاح استراتيجي لحماية اقتصادها، يظل ذهب السودان يتسرب عبر التهريب ويُدار بعشوائية، في وقت يعيش فيه المواطن السوداني حربًا وجودية يومية؛
حرب تُسخّن الجيب بالتضخم،
وحرب تُنهك الجسد بالأوبئة مثل الملاريا وحمى الضنك،
وحرب تُرهق الروح مع غياب الأمن وتدهور الخدمات الصحية.
يا حكومة السودان، العالم يكدس الذهب ليحمي شعوبه من الهزات، بينما شعبنا المرهق يتساءل: كيف نملك هذا الذهب كله، ونظل فريسة لجنيه يترنح، وصحة تترنح، وأمن مفقود؟
الأسعار العالمية للذهب إلى أين؟
بحسب الخبير بارت ميليك (TD Securities)، فإن الذهب مرشح للوصول إلى 4000 دولار للأونصة في وقت قصير، بدعم من سياسات الفيدرالي الأمريكي المائلة للتيسير، وزيادة حيازات البنوك المركزية، وعودة المستثمرين عبر صناديق المؤشرات.
وإذا سرعت الصين وتيرة الشراء، فقد نشهد مستويات بين 6000 – 7000 دولار للأونصة خلال العقد القادم.
السودان.. ذهب مهدور وجنيه منهار
وسط هذه الطفرة العالمية، يقف السودان على مفارقة مؤلمة:
• يملك واحدًا من أغنى مناجم الذهب في إفريقيا.
• لكنه يخسر مليارات بسبب التهريب وضعف الشفافية.
• الجنيه السوداني ينهار يوميًا، وكأن الذهب المستخرج لا أثر له على الاقتصاد.
المواطن السوداني اليوم يعيش تحت ضغط ثلاثي:
عملة تتبخر قيمتها يوميًا،
أسواق مشتعلة تحرق الجيوب،
وأوبئة تنهك الأجساد، مع غياب أمن يُعيد الطمأنينة.
بينما العالم يتسابق لتكديس الذهب كدرع نقدي وملاذ آمن، يفرّط السودان في ثروته ويترك مواطنيه يواجهون تضخمًا قاتلًا وانهيارًا متواصلًا للعملة.
الخلاصة والرسالة إلى صناع القرار وبراقة أمل
الذهب الذي اعتبره القرآن الكريم أصل النقد، وعاد اليوم ليقود التحولات في النظام المالي العالمي، يمكن أن يكون طوق نجاة للسودان إذا أُحسن استغلاله. لكن في ظل غياب رؤية وطنية شاملة لإدارته، سيظل الذهب يذهب والعقل يذهب معه، بينما الجنيه السوداني يسقط في هوة بلا قرار.
إن ما يمر به الجنيه من انهيار يومي لم يعد شأنًا عابرًا، بل خطرًا وجوديًا على استقرار البلاد ومستقبلها الاقتصادي. ومن هنا، فإن الرسالة إلى بنك السودان ووزير المالية وحكومة السودان واضحة:
أنقذوا العملة.. أنقذوا المواطن.. أنقذوا الوطن.
فالمعركة اليوم ليست مع الأسواق فقط، بل مع الزمن الذي يلتهم ما تبقى من صبر الشعب وصحته وأمنه.
التوصيات العملية:

  1. تخفيض الضرائب والرسوم على إنتاج الذهب لتشجيع الإنتاج الرسمي والحد من التهريب.
  2. منح حرية لصادر الذهب، ولكن مع وضع ضمانات قوية تشمل خطابات ضمان وشيكات مصرفية بالقيمة المصدرة لصالح بنك السودان.
  3. إنشاء صندوق سيادي للذهب، توضع فيه نسبة من العائدات كاحتياطي استراتيجي لدعم الجنيه واستقرار الاقتصاد.
  4. ربط كل صادرات الذهب بالقنوات المصرفية الرسمية لضمان دخول العائدات بالنقد الأجنبي.
  5. زيادة الشفافية والرقابة على قطاع التعدين الأهلي والصناعي، وإلزام الشركات بالتقارير الدورية المعلنة.
    زبدة الذهب:
    الذهب يمكن أن يكون سلاح السودان الاقتصادي للخروج من أزماته، لكن فقط إذا أُدير بعقلانية لا بعشوائية. الكرة الآن في ملعب بنك السودان ووزارة المالية وحكومة الأمل: فإما أن يحولوا الذهب إلى أمل ورافعة للاستقرار، أو يظل السودان أسير الانهيار اليومي للجنيه وتتبخر الآمال.
مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات