في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بدا رئيس الوزراء د.كامل إدريس وكأنه يكتب ميثاقاً جديداً للسودان ، خطاب اتسم بالقوة والوضوح وحمل رسائل صريحة للمجتمع الدولي وأوضح للداخل السوداني ، فقد أعلن بصرامة سيادتنا وسلامة أراضينا خطوط حمراء ولن نستسلم وكرر وعده بعد الإستسلام ، وهي عبارة موجهة لشعب أنهكته الحرب والانتهاكات أكثر مما هي موجهة للعالم .
وفي زاوية ثانية رفع إدريس صوته مُحملاً الأسرة الدولية ، مسؤولية استمرار الجرائم عندما أكد أن الصمت يعد تشجيعاً وضوءاً أخضر لمواصلة المليشيات لانتهاكاتها ، وأفرد مساحة مؤلمة للبعد الإنساني حين تحدث عن حصار الفاشر ، وعن النساء والأطفال والشيوخ الذين يموتون جوعاً بينما العالم يتفرج ، واضعاً المجتمع الدولي أمام امتحان أخلاقي ، وربطه مباشرة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن .
في جانب آخر قدم رؤية متكاملة للسلام المستدام ، تقوم على وقف فوري لإطلاق النار وانسحاب المليشيات ، وتقوية المؤسسات الوطنية ، وإشراك القوى السياسية السودانية في الحل ، بعيداً عن التدخلات الخارجية والصفقات المتسرعة ، مؤكداً أن السودان لن يكون رهيناً للحلول المفروضة من الخارج.
لم يغفل إدريس البعد الإقليمي والدولي ، فجدد موقف السودان المبدئي من القضية الفلسطينية ، باعتبارها مفتاحاً للاستقرار وأدان الهجوم الإسرائيلي على قطر ، بوصفه تهديداً للأمن الدولي ، ليعكس بذلك رغبة واضحة في إعادة تموضع السودان كدولة ذات موقف أخلاقي وسياسي ، تجاه القضايا الكبرى ، ومع ذلك فإن الخطاب على قوته يبقى بداية لا نهاية ، فالمجتمع الدولي قد يسمع لكنه لا يتحرك إلا وفق مصالحه ، والشعب السوداني الذي صفق للخطاب ينتظر أن تتحول الكلمات إلى أفعال ملموسة على الأرض ، والرهان الأكبر يظل على قدرة الحكومة في توحيد الجبهة الداخلية وبناء الثقة بين القيادة والشعب ، حتى يكون الصوت السوداني في الخارج امتداداً لقوة الموقف في الداخل.
المعركة الحقيقية لحماية السيادة وصون الإنسان السوداني لا تُحسم بالكلمات وحدها وإنما بالفعل الوطني والإرادة الصلبة…لنا عودة.