بدأ العام الدراسي الجديد 2025 – 2026 في الجامعات المصرية في 20 سبتمبر، فيما لا يزال آلاف الطلاب السودانيين عالقين خلف جدار التأشيرات، يحلمون بالدخول إلى قاعات الدراسة، لكن الواقع المر يحول التأشيرة إلى كابوس يلتهم وقتهم وأعصابهم وأموال أسرهم.
المأساة لم تعد في القاهرة وحدها، بل في صمت حكومة السودان وسفارتها. أين أنتم؟ لماذا لا تتحركون؟ هل وظيفة الدولة أن تتفرج بينما أبناؤها يُذلون أمام الأبواب؟ سفارات تتكدس فيها الرواتب بالدولار، لكن النتيجة صفر أكبر من الصفر.
أين اتفاقية الحريات الأربع (التنقل، الإقامة، التملك، العمل)؟ لماذا بقيت حبيسة الأدراج، بينما الطالب يُهان، والمريض يموت بانتظار ختم جواز، والمسافر يُحتجز بالساعات وكأنه مجرم؟
وصلت المهزلة أن أحد أولياء الأمور في دولة خليجية دفع 2000 دولار وأكثر للحصول على تأشيرة لابنه. يقول: “دفعت هذا المبلغ وأنا مكره، لا أستطيع أن أرى مستقبل ابني يضيع أمام عيني، لكن لماذا أُجبر على دفع الرشوة بينما من يفترض أن يدافعوا عن حقوقنا صامتون؟”
طالبة سودانية عالقة منذ أسابيع أمام السفارة في القاهرة قالت: “حلمت أن أبدأ دراستي مع زميلاتي في أول يوم، لكني الآن أقضي أيامي في الطوابير والانتظار المهين، ولا أحد يسمعنا ولا أحد يسأل عنا.”
أما المرضى فقصتهم أشد إيلاماً أحد أقارب مريض بالسرطان قال: “لدينا مواعيد علاج محددة في مصر، لكن التأشيرة حبستنا،كل يوم تأخير يساوي خطراً على حياته، ومع ذلك لا أحد يهتم، هل حياة المواطن السوداني رخيصة إلى هذا الحد؟”
والسؤال الذي يطرحه الجميع ما هي حقيقة ما يُسمى بـ”الموافقة الأمنية”؟ هل هي مجرد وسيلة غير مباشرة لجلب الأموال وزيادة التعقيد؟ أم أنها بالفعل فحص أمني دقيق؟ وإذا كان الطالب قد تم قبوله رسمياً في الجامعة وسدد الرسوم كاملة، أليست هذه بحد ذاتها موافقة أمنية؟ لماذا يبقى الملف رهين التأخير وكأن الغرض فقط إنهاك الأسر السودانية التي تنتظر دفع الرسوم والسكن والمواصلات والمعيشة؟
أما دور السفارة، فالمواطن لا يطالب بالمستحيل، بل بالحد الأدنى أن يكون هناك تواصل، شرح، وضغط جاد لحماية الطلاب والمواطنين، اللوم الأكبر لا يقع على السفير أو المستشار الثقافي وحدهم، بل على حكومة السودان بأكملها التي تركت أبناءها يواجهون إذلالاً ممنهجاً دون حماية حقيقية.
هذه ليست أزمة عابرة، بل حرب إذلال يدفع ثمنها السوداني البسيط من ماله ووقته وكرامته،وهذا الوضع كارثة حقيقية، لأنه يعني ضياع مستقبل الطلاب الذين هم نواة الوطن السودان، وضياع جيل كامل كان يمكن أن يحمل مشاعل العلم لبناء الغد. الطالب ليس مجرد فرد يبحث عن شهادة، بل هو مشروع وطن، هو الطبيب الذي سيعالج المرضى، هو المهندس الذي سيبني الجسور، هو المعلم الذي سيصنع الأجيال، وهو الباحث الذي سيطور الزراعة والصناعة ويعيد للسودان عافيته.
إضاعة الطلاب تعني إضاعة السودان، والتفريط في مستقبلهم تفريط في مستقبل وطن بأكمله.
إنقاذ الطلاب ليس مجرد قضية تعليم، بل قضية وطنية مصيرية: إنقاذ الطلاب هو إنقاذ السودان.
كفى صمتاً، كفى تهاوناً، كفى استهتاراً!
إن لم تتحرك حكومة السودان فوراً وتضع حداً لهذه الإهانة، فإنها تتحمل المسؤولية كاملة أمام شعبها والتاريخ.