الدولة السنارية {1504_1821م} ،كانت اول دولة إسلامية تنشأ في ارض السودان انطلاقاً من الوسط منذ دخول الإسلام الي بلاد النوبة في الشمال علي يد (عبدالله بن ابي السمح)..
بسطت سلطانها في ربوع البلاد عبر تحالف الفونج بقيادة (عمارة دنقس) مع عرب القواسمة بقيادة (عبد الله جماع) الذي جمع القبائل حول الدولة ومناصرة هذا التحالف..
نشأت الدولة مستقلة لمدة (317 عاماً) دون أن تتبع لسلطان الخلافة العثمانية مما دفع الأتراك لغزو أرض السودان واخضاع الدولة وضمها.
اعتمدت الدولة في نظامها الديني الاجتماعي علي التصوف،.
وفي نظامها التشريعي والقضائي علي المذهب المالكي،، ونظامها السياسي كان قسمة بين الكتلتين المتحالفتين..
الفترة التركية {1821_1885م} والتي تربعت علي حكم البلاد ل 64 عاماً لكنها ابقت علي ذات النظام الديني الاجتماعي، وكذا مصدر التشريع للنظام القضائي الذي كان سائداً في الدولة السنارية، بينما استبدلت النظام السياسي وحولته من وطني الي اجنبي..
ازدهرت في الفترتين السنارية والتركية وانتظمت حركة علمية تجسدت في انشاء معاهد للتعليم الاهلي اعتمدت التوسع في دراسة اللغة العربية والفقه المالكي والعقيدة الأشعرية، ومبادئ التصوف،،
الإمام /محمد احمد المهدي (1843_1885) المولود في جزيرة لبب بشمال السودان،، نشأ في بيئة متدينة درس القرآن والفقه والتصوف واخذ الطريق علي شيوخ الطريقة السمانية،،
تنقل في طلب العلم من شمال السودان الي وسطه الي غربه،، الي أن أعلن مهديته عام 1881م وعبرها عبأ القبائل والاعيان وحشدها تاييداً لمهدويته وثورته ضد الحكم الأجنبي، وحارب كل من وقف في طريقه، الي أن حرر الخرطوم 1885م ولم يمكث الا قليلاً حتي مات في نفس العام بالتايفويد،،
فتولي الخلافة من بعده عبدالله التعايشي الذي عاث في الأرض فساداً لمدة 13 عاماً الي أن قتل بواسطة الانجليز عام 1898م وسقطت الخرطوم وتم احتلال السودان بالكامل بواسطة الاستعمار البريطاني..
كانت الثورة المهدية حركة إسلامية جهادية تحررية بامتياز، لكنها لا تملك مشروعاً سياسياً للحكم، ولذلك لم تخلف إرثاً في الثقافة الحكمية يمثل مرجعية ،، والطائفة ليس لها الا شعار الملبس الذي يميزها، والتغني ببطولات أمامها الجهادية..
أما الخليفة عبدالله فقد شوه التجربة بالانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها في حق اهله..
أنصار السنة والإخوان المسلمين نشاتا في فترة الاستعمار البريطاني الذي حكم 58 عاماً {1898_1956م}..
أنصار السنة كانت جماعة دعوية إرشادية لتقويم الاختلالات الفكرية في العقيدة، والسلوكية عبادة وتقاليداً واعرافاُ في المجتمع..
اما جماعة الإخوان المسلمين فقد كانت حركة إسلامية جهادية تسعي لإعادة مجد الحكم الإسلامي الذي سقطت رأيته بسقوط الخلافة العثمانية عام 1924م..
الهبة الشعبية التي قادتها طلائع مؤتمر الخريجين،، فان جماعة أنصار السنة علي قلة المنتمين إليها، وكذلك الإخوان المسلمين لم يكونا بمنأي عن هذا الحراك القومي الذي يدعو للتحرر الوطني من الاستعمار،،،
قبل ان تتحرر البلاد وفي العام 1953م تكونت قوة ضغط متحالفة ما بين [الإخوان المسلمين + أنصار السنة +بعض الصوفية + أفراد مستقلين] برئاسة (عمر بخيت العوض) لتحديد الهوية بعد الاستقلال ليكون السودان (جمهورية إسلامية) بدلاً عن (جمهورية برلمانية)،، ولكن فشلت الحركة في اقناع نواب حزبي الطائفتين (الختمية والانصار) في البرلمان الذي اسسه الانجليز كمختبر لنموذج ديمقراطي بعد مغادرتهم، فقد كانت عضوية الحركة محدودة، وليس لها تمثيل برلماني ..
وفي العام 1964م عقب ثورة أكتوبر علي حكومة الفريق إبراهيم عبود (1958_1964)، تكونت جبهة الميثاق الإسلامي برئاسة( د.حسن عبدالله الترابي) كحزب سياسي إسلامي مستقل، وبذات مكونات تحالف الجبهة الإسلامية للدستور ولكن بحجم أكبر من السابق، ورؤية أوضح لنظام الحكم،،
في عهد حكم الرئيس نميري {1969_1985} تعرضت حركة الإخوان المسلمين للتنكيل والتشريد الي أن تصالحت معه وشاركته الحكم عام 1977 فتمكنت سياسياً واقتصادياً ، وفي عهدهم معه أعلن الرئيس نميري أحكام الشريعة الإسلامية عام 1983 قبل سقوطه بعامين.
اما جماعة أنصار السنة فقد قاطعت نظام النميري، واتجهت نحو المجتمع للدعوة والإرشاد، وبالفعل فقد كانت هذه الفترة من اخصب الفترات التي انتشرت فيها الدعوة افقياً، رغم الملاحقات الامنية والمضايقات التي طالت حتي تهديم بعض مساجد الجماعة في مناطق نفوذ التصوف الطاغي وبدعم الفريق (عمر محمد الطيب) مدير جهاز أمن الدولة في ذلك العهد..
ذات مرة التقيته ومعه الفريق سوار الدهب بمباني مجلس الوزراء، فاشتكيته لسوار الدهب، وقلت له : سيادته هذا آذانا اذي شديداً حين كان مديراً للجهاز…فرد عليّ عمر بقوله : انا صوفي ملتزم
بعد سقوط حكومة جعفر محمد نميري، وعقب انتهاء فترة سوار الدهب الانتقالية، عادت الديمقراطية الثالثة، وتكونت هذه المرة (الجبهة الإسلامية القومية) ولم تشارك فيها جماعة أنصار السنة، لكنها مثلت لها قوة ناخبة مكّنتها من الحصول علي 51 مقعداً بالبرلمان ،،
ولما قامت ثورة الإنقاذ ايدتها الجماعة وشاركت في أول برلمان لها عام 1993 بشخصين هما (الدكتور/محمد عبد الغفار عثمان) و(الدكتور/حسن عبد الرحمن حاج سليمان)… كما شاركت في المجموعة الأولي للمحافظين بالولايات،عام 1994،وكان اول المشاركين من الجماعة (عبد الله احمد التهامي الرّيّح) و(إسماعيل عثمان محمد الماحي).. ثم توالت المشاركات في كل المستويات التشريعية والتنفيذية اتحادياً و ولائياً، الي أن سقطت الحكومة وجاءت ثورة ديسمبر،،
في بدايات العهد أعلنت الحكومة الشريعة ولكنها ووجهت بحصار خارجي طاغي، واجتهد في تأسيس نظام سياسي لحزب جامع واحد علي غرار ما هو سائد في الصين، يهضم في احشائه كل الكيانات ذات المرجعية الإسلامية بمن فيهم الأنصار والختمية،، ولما لم تفلح هذه الخوة تم اللجوء الي فكرة الحزب الغالب وأحزاب التوالي السياسي، ولكن هذه التجربة هزمتها المفاصلة الشهيرة بين الشيخ والرئيس،مما ادي للانقسام الداخلي، ثم توالت الانقسامات والمحاصرات الي أن انفصل الجنوب،، وبعد حين سقطت التجربة كلها..
ثم انتهي الأمر الي هذه الحرب المدمرة التي قلبت كل الموازين، فكانت محطة انتظمت فيها شراكة متينة لدحر التمرد واستئصاله من جذوره، والقضاء علي كل الإرث الاستعماري الظاهر والخفي طيلة تلك العهود المظلمة،، ولعل المستقبل يحمل في طياته خيرات وخيرات،إذا ما تمت رعاية هذه الشراكة الذكية التي تجسدت في حرب الكرامة لتحرير كل شبر من الأرض، وبناء وطن آمن ومزدهر.