جُرْحٌ لَا يَمُوتُ وَصُمُودٌ لَا يَنْكَسِرُ
أَرَادُوا لَهَا أَنْ تَمُوتَ وَقَلْبُهَا جَرِيح. أَرَادُوا أَنْ يُحْرِقُوا أَبْنَاءَهَا كَيْ لَا تَرَى فَجْرَ يَوْمٍ جَدِيد.
قَتَلَةُ الْأَطْفَالِ، مُغْتَصِبُو الْأَرْضِ وَالْعِرْضِ، لُصُوصٌ وَقُطَّاعُ طُرُقٍ، دُمًى مَأْجُورَةٌ يُحَرِّكُهَا الْغَرْبُ، حَتَّى الشَّيْطَانُ يَفْزَعُ عِنْدَ سَمَاعِ أَسْمَائِهِم.
إِنَّهَا مِلِيشِيَاتٌ وَاهِمَة… وَلَكِنَّ الْفَاشِرَ بَاقِيَة، وَالْفَاشِرُ عَصِيَّة، وَالْفَاشِرُ تَقُولُ:
“لَنْ نَتْرُكَ الْأَرْض… فَهَذِهِ الْأَرْضُ لَنَا، وَهَذِهِ الْأَرْضُ عَصِيَّةٌ عَلَيْكُمْ.”
كَبَّاشِي: مُورَالُ الْجَبَهَاتِ
مِنْ صُمُودِ كُرْدُفَانَ وَالأَبْيَضِ، حَيْثُ تَتَصَاعَدُ نَبْضاتُ النِّضَالِ، ارْتَفَعَ صَوْتُ الْفَرِيقِ أَوَّلِ رُكْنِ شَمْسِ الدِّينِ كَبَّاشِي (مورَال)، عُضْوِ مَجْلِسِ السِّيَادَةِ، مُؤَكِّدًا أَنَّ الْجَيْشَ السُّودَانِيَّ لَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ عَمَلِيَّاتِهِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِسْلَامِ “الْخُونَةِ وَالْمَارِقِينَ”.
وَقَفَ كَبَّاشِي بَيْنَ الصُّفُوفِ الْأَمَامِيَّةِ لِلْقُوَّاتِ، مُخَاطِبًا جُنُودَهُ وَرِفَاقَهُ عَلَى امْتِدَادِ الْمَحَاوِرِ، فَحَوَّلَ كَلِمَاتِهِ إِلَى مَوْجَاتٍ حَمَاسِيَّةٍ أَشَدَّ وَقْعًا مِنَ الْمَدَافِعِ، تُجَسِّدُ وَحْدَةَ الصَّفِّ وَالإِرَادَةَ الصَّلْبَةَ فِي حِمَايَةِ السُّودَانِ.
وَشَدَّدَ عَلَى أَنَّ القوة المشتركة أصبحت ركيزة أساسية للمؤسسة العسكرية، وَأَنَّ الْجَيْشَ مُسْتَعِدٌّ لِتَقْدِيمِ كامل الدعم للمقاتلين فِي مُخْتَلِفِ الْجَبْهَاتِ، لِيَظَلَّ السُّودَانُ حُرًّا وَعَالِيًا، وَتَبْقَى الْمَعْرَكَةُ مُتَوَاصِلَةً حَتَّى اسْتِعَادَةِ كُلِّ شِبْرٍ مِنْ أَرْضِ الْوَطَنِ.
كُرْدُفَان… مُنْطَلَقُ الرِّسَائِلِ الْحَاسِمَةِ
زِيَارَةُ كَبَّاشِي لِشِمَالِ كُرْدُفَان لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ تَفَقُّدٍ لِلْقُوَّاتِ، بَلْ كَانَتْ رِسَالَةً قَاطِعَةً لِلْأَعْدَاءِ وَالْغَرْبِ: لَا مُسَاوَمَةَ عَلَى تُرَابِ الْوَطَن.
مِنَ النِّيلِ الْأَبْيَضِ إِلَى جَبَلْ مُوَيَّة وَسِنْجَة، إِلَى فَتْحِ طَرِيقِ كُوسْتِي–الْأَبْيَض، إِلَى بَوَّابَاتِ الْفَاشِر… كُلُّهَا مَحَطَّاتٌ تُثْبِتُ أَنَّ هَذَا الْقَائِدَ يَعْرِفُ كَيْفَ تُكْتَبُ الْمَعْرَكَةُ وَكَيْفَ يُشْعَلُ الْمَيْدَانُ بِرُوحِ النَّصْرِ.
مَنَاوِي: نِدَاءُ الْوَحْدَةِ وَالْحُرِّيَّةِ
فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، عَادَ حَاكِمُ إِقْلِيمِ دَارْفُور، مِنِّي أَرْكُو مَنَاوِي، لِيَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي وَحَّدَتِ الصُّفُوفَ:
“دارفور لَنْ تُكْسَر، وَالفاشر لَنْ تَنْحَنِي، فالمَعْرَكَةُ لَيْسَتْ مَعْرَكَةَ إِقْلِيم… بَلْ مَعْرَكَةَ السُّودَانِ الْوَاحِد.”
كَانَ صَوْتُهُ امْتِدَادًا لِصَوْتِ الْمَيْدَانِ، يُذَكِّرُ أَنَّ النَّصْرَ لَا يُولَدُ مِنَ السِّلَاحِ وَحْدَهُ، بَلْ مِنْ وَحْدَةِ الصَّفِّ وَالإِرَادَةِ وَإِصْرَارِ أَبْنَاءِ السُّودَانِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوَطَنَ لَا يَتَجَزَّأ.
التِّقَاءُ الصَّوْتَيْنِ… مَشْهَدٌ لِلتَّارِيخِ
عِنْدَمَا اشْتَعَلَ الْمَيْدَانُ بِصَوْتِ كَبَّاشِي، وَتَعَالَتْ نِدَاءَاتُ الْوَحْدَةِ بِصَوْتِ مَنَاوِي، تَجَسَّدَ مَشْهَدٌ لِلتَّارِيخِ:
صَوْتَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي الْمِنْبَرِ، وَلَكِنَّهُمَا مُتَطَابِقَانِ فِي الْهَدَفِ.
مَيْدَانٌ وَاحِدٌ، دِمَاءٌ وَاحِدَةٌ، وَمَصِيرٌ وَاحِدٌ.
وَالْفَاشِرُ هِيَ عُنْوَانُ الصُّمُودِ الَّذِي لَا يُهْزَم.
مِيثَاقُ الْكَرَامَةِ وَالْفَجْرُ الْجَدِيدُ
لَيْسَتْ هَذِهِ بَيَانَاتٍ عَابِرَة، بَلْ عَهْدٌ جَدِيدٌ يُكْتَبُ بِدِمَاءِ الشُّهَدَاءِ:
كَبَّاشِي أَشْعَلَ الْقُلُوبَ فِي سَاحَاتِ الْقِتَال.
مَنَاوِي جَمَعَ الصُّفُوفَ بِنِدَاءِ الْوَحْدَةِ.
وَالْفَاشِرُ وَقَّعَتْ بِدِمَائِهَا مِيثَاقَ الْكَرَامَةِ.
إِنَّ السُّودَانَ مَعْدِنٌ لَمْ يُكْتَشَفْ بَعْدُ… أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكُلِّ الْكُنُوزِ. رِجَالٌ وَنِسَاءٌ قَدَّمُوا دِمَاءَهُمْ مَهْرًا لِلْوَطَنِ، لِيَظَلَّ السُّودَانُ عَالِيًا حُرًّا فِي سَمَاءِ اللَّهِ، يُعَانِقُ أَرْوَاحَ الرَّاحِلِينَ، وَيُعْلِنُ لِلْعَالَمِ أَجْمَعَ:
*”هَذِهِ أَرْضُ السُّودَان… أَرْضُ السُّود، أَرْضُ الْعَزِيمَةِ وَالْكِبْرِيَاء
سَلَامٌ وَأَمَانٌ فَالْعَدْلُ مِيزَان
تَوْقِيعٌ لَا يُنْسَى
أَنَا الرِّسَالَةُ حِينَ يَضِيعُ الْبَرِيد…
أَنَا الْحِكَايَةُ حِينَ يَغِيبُ الرُّوَاة…
أَنَا امْرَأَةٌ مِنْ حِبْرِ النَّار.
✍️ بقلم: عَبِير نَبِيل مُحَمَّد