الخميس, سبتمبر 4, 2025
الرئيسيةمقالاتندى الحروف ...

ندى الحروف الحكومة الإلكترونية… مدخل لإعادة بناء السودان الحديث. بقلم/ إبراهيم محمدنور

يمر السودان في هذه المرحلة بواحدة من أعقد الأزمات في تاريخه، إذ خلفت الحرب دمارًا واسعًا في البنية التحتية، وأضعفت مؤسسات الدولة، وأفقدت المواطن ثقته في الخدمات العامة التي باتت تعاني من البطء والتعقيد وانعدام الشفافية.
وفي ظل هذه الظروف، يصبح التحول نحو الحكومة الإلكترونية ضرورة وطنية ملحة، وليس خيارًا مؤجلاً.
الحكومة الإلكترونية ليست مجرد إدخال الحاسوب أو الإنترنت في مكاتب الدولة، بل هي رؤية إصلاحية شاملة تهدف إلى إعادة بناء العلاقة بين المواطن ومؤسسات الحكم على أسس من الشفافية، والمساءلة، والكفاءة. فبدلًا من الأسلوب التقليدي المرهق الذي يقوم على الروتين وكثرة الإجراءات وتعقيدها، تتيح الحكومة الإلكترونية تقديم الخدمات بسرعة ودقة عبر الشبكة العنكبوتية، بما يوفر الجهد والوقت، ويعزز الثقة بين المواطن والدولة.
الواقع السوداني يكشف بوضوح حجم الحاجة لهذا التحول، حيث لا يتجاوز دوام الموظف الحكومي أربع ساعات يوميًا،و ماتبقى من زمن الدوام في الفطور ومجاملات وقد يكون مزاج الموظف غير مهيأ، وقد يقفل الشباك أمام المواطن.
وهذه الفترة قصيرة لا تكفي لإنجاز حجم المعاملات والمهام المتزايدة.
هذا القصور في الأداء لا يمكن معالجته إلا بتبني أنظمة رقمية تعمل على مدار اليوم، وتتيح للمواطنين الحصول على خدماتهم دون انتظار طويل أو تعطيل.
فالحكومة الإلكترونية هنا تصبح أداة لتعويض نقص ساعات العمل، وضمان استمرار الخدمة في أي وقت ومن أي مكان.
الحكومة الإلكترونية وسلاح محاربة الفساد
وإذا كان البعض يقترح في الوسائط بناء عاصمة إدارية إسمنتية جديدة، فإن السودان لا يحتاج إلى أبراج من خرسانة بقدر ما يحتاج إلى عاصمة إلكترونية ودولة رقمية. المستقبل ليس في تشييد مبانٍ فخمة، بل في بناء نظام رقمي قوي يربط المواطن بدولته مباشرة، ويتيح له إنجاز معاملاته من هاتفه دون الوقوف في الصفوف أو السفر إلى الخرطوم.
العاصمة الحقيقية ليست حيث ترتفع الجدران، بل حيث تتدفق البيانات وتُحفظ الأموال في خزينة الدولة بشفافية كاملة بعيدًا عن الفساد والمحسوبية.
إن صور الازدحام في صفوف الانتظار وعبارة “زولي وزولك” التي تجسد عقلية الوساطات، إضافة إلى انتشار السماسرة الذين يضعون أسعارًا مختلفة للخدمات الحكومية، كلها مظاهر سلبية ترهق المواطن وتستنزف مال الدولة.
ولهذا فإن التحول الإلكتروني ضرورة لتوحيد الرسوم وضبط الإيرادات، وإلغاء الحاجة لأي وسطاء أو معاملات مشبوهة. كما أن الحكومة الإلكترونية تمثل وسيلة لحفظ المال العام وإعادته إلى مساره الصحيح، وضمان توريد كل الأموال مباشرة إلى خزينة الدولة بلا تسرب أو فساد.
إن بناء حكومة إلكترونية في السودان بعد الحرب يتطلب تأسيس شبكة إنترنت قوية، وإنشاء بنية تحتية متينة بالتعاون مع شركات ذات خبرة، مع الاستفادة من العقول السودانية المبدعة التي طالما وجدت نفسها مهمشة أو مضطرة للهجرة.
الحكومة الإلكترونية ستساعد السودان على تجاوز تراث الفساد الإداري والمالي، إذ إنها تقوم على علانية المعلومات وتداولها، مما يقلل من فرص التلاعب والوساطات.
كما أنها تتيح للمواطن أن يتواصل مباشرة مع المؤسسات، بعيدًا عن الحواجز البشرية التي كانت سببًا في تعطيل الخدمة وإضعاف الثقة.
وبهذا المعنى، فإن الحكومة الإلكترونية ليست فقط وسيلة لتقديم خدمة أسرع وأرخص، بل هي مشروع لإعادة تأسيس الحكم على قيم الشفافية والمساءلة.
الفوائد التي يمكن أن يجنيها السودان من هذا التحول عديدة، فهي تبدأ بتحسين مستوى رضا المواطنين، وتمتد إلى تعزيز فرص الاستثمار وجذب الشركات العالمية المهتمة بقطاع المعلومات والاتصالات.
كما أن اعتماد الإدارة الإلكترونية يفتح المجال لزيادة فرص العمل أمام الشباب في مجالات التقنية والبرمجة والدعم الفني، ويمنح الاقتصاد الوطني دفعة قوية نحو التحديث والانفتاح.
في النهاية، السودان بحاجة إلى أن يضع اللبنات الأساسية لحكومة إلكترونية حديثة كجزء من مشروع إعادة الإعمار بعد الحرب.
فهي ليست ترفًا ولا رفاهية تقنية، بل ضرورة تفرضها طبيعة المرحلة وظروف الدولة. وإذا نجح السودان في بناء هذا النظام الرقمي، فإنه سيضع قدمه على طريق دولة عصرية، عادلة، وفاعلة، قادرة على خدمة مواطنيها بكفاءة، وحفظ المال العام، ومنع الفساد والمحسوبية، وإعادة بناء الثقة المفقودة بين الشعب ومؤسساته.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات