الحرب التي تلتهم السودان منذ أكثر من عام ليست مجرد صراع داخلي عابر، بل أكبر مأساة إنسانية في إفريقيا خلال العقود الأخيرة: ملايين الجوعى والنازحين، مدن دُمّرت، أجيال تُباد، والموت يطارد الناس في كل ركن. ومع ذلك، يعيش السودان في صمت إعلامي عالمي مخجل، وكأن هناك قرارًا غير معلن بأن تبقى هذه الكارثة في الظل.
الإعلام الغربي: كاميرات عمياء عن قصد
عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، غزت صورها الشاشات والصحف لحظة بلحظة، أما السودان فـ”ممنوع من البث المباشر”. لماذا؟ لأن الضحايا سودانيون، أفارقة، فقراء، لا يملكون بترولًا يكفي لإثارة شهية الشركات الكبرى ولا موقعًا استراتيجيًا يفرض على الإعلام الغربي أن يتحرك. هذا ليس صدفة، بل سياسة عنصرية قديمة: أزمات إفريقيا لا تستحق التغطية، إلا إذا كان هناك ثروات تُنهب أو مصالح تُدار.
الأمم المتحدة: حياد زائف وتواطؤ صريح
أما الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية، فهي تصدر بيانات روتينية أشبه ببلاغات علاقات عامة: “نحن قلقون”، “الوضع مقلق”، “نحتاج تمويلًا”. لكنها لا تفعل شيئًا لإجبار المجتمع الدولي على وقف الحرب أو حتى تسليط الضوء عليها. هذا الصمت الممنهج يكشف أن المنظمة الدولية أسيرة لإرادة القوى الكبرى التي تفضل أن تبقى حرب السودان “منسية”، كي لا يُكشف تورط بعض حلفائها الإقليميين في تمويل وتسليح أطراف النزاع.
لماذا يُراد للسودان أن يُمحى من الشاشة؟
لأن الاعتراف بحجم المأساة سيُحرج عواصم عالمية متورطة بالصمت أو بالتواطؤ.
لأن القوى الدولية تريد أن تُترك الحرب تأكل السودان حتى يسهل إعادة رسم خريطته وتفتيته.
لأن السودان ليس على رأس أولوياتهم؛ فلا نفط بحجم الخليج، ولا جغرافيا بحجم أوكرانيا، ولا “لوبيات ضغط” تدافع عن ضحاياه.
النتيجة: جريمة إعلامية قبل أن تكون سياسية
التعتيم الإعلامي على حرب السودان ليس إهمالًا، بل جريمة تواطؤ عالمية. هو الوجه الآخر للحرب، حرب بالكاميرات المطفأة، والميكروفونات الصامتة، والشاشات التي تقرر أن دم السوداني لا يستحق البث.
آخر الكلام:
التاريخ لن يرحم هذا الصمت، وسيُسجَّل أن الإعلام الغربي والأمم المتحدة اختارا التواطؤ بالصمت، وأن ملايين السودانيين تُركوا لمصيرهم في الظلام، بينما العالم يتفرج ويتاجر بدمائهم في صفقات خلف الكواليس.
