الخميس, سبتمبر 4, 2025
الرئيسيةمقالاتقطرة في محيط ...

قطرة في محيط معاناة المدنيين في مدينة الفاشر تحت وطأة الحصار الجائر. بقلم: المحامي/ أحمد أبوه


في زاوية منسية من المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي، تقبع مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، تحت حصار خانق خلّف كارثة إنسانية متفاقمة، وسط صمت دولي ومحلي مريب. فبين النيران المتبادلة لأطراف الصراع، يدفع المدنيين الثمن الأكبر، حيث لا غذاء ولا دواء، ولا أمان.
الجوع يخيم على المدينة
لعدة شهور متواصلة، ظلت مدينة الفاشر معزولة عن محيطها، بعد إغلاق كافة الطرق المؤدية إليها، ومنع دخول المساعدات الإنسانية. كما أن الأسواق شبه خالية، والأسعار تفوق قدرة السكان على الشراء، فيما بات تأمين لقمة العيش تحديًا يوميًا لمعظم الأسر. هناك تقارير محلية أفادت بأن سعر جوال الدقيق ارتفع إلى ما يفوق سته ملايين جنيه في حالة كون البيع بالكاش وأما إذا كان البيع بالتحويل عن طريق تطبيق بنكك يصبح سعره الضعف أي يفوق اثني عشر ملايين جنيه، بينما اختفى الوقود تمامًا، وتوقفت خدمات النقل والخبز والكهرباء.
انهيار القطاع الصحي
الوضع الصحي في الفاشر وصل حدود الكارثة. حيث تعمل بعض المستشفيات بطاقة أقل من 10%، بسبب انعدام الأدوية والمستلزمات الطبية، إلى جانب انقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر. ويؤكد أطباء ميدانيون أن مستشفيات المدينة غير قادرة على استقبال الحالات الطارئة أو علاج المصابين في الحوادث والقصف، مع تسجيل وفيات كان يمكن تجنبها لولا النقص الحاد في الرعاية.
خطر داهم على المدنيين
الحصار لم يكن اقتصاديًا فقط، بل ترافق مع عمليات قصف متكررة لأحياء سكنية، أسفرت عن سقوط ضحايا من النساء والأطفال. حالات نهب واختطاف سجلت في وضح النهار، فيما تنعدم أي سلطة لحماية السكان أو لفرض النظام، ما جعل حياة الآلاف تحت رحمة الفوضى المسلحة. المدارس مغلقة، والمياه النظيفة نادرة، والقلق أصبح رفيقًا دائمًا للأهالي.
حياة تحت القصف والخوف
لم يقتصر الحصار على تجويع السكان، بل ترافق مع تصعيد عسكري خطير. تقارير حقوقية تحدثت عن قصف عشوائي لأحياء سكنية، ووقوع انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، من نهب وقتل وخطف، في ظل غياب كامل للسلطة الرسمية أو القوات الدولية لحماية المدنيين. المدارس أُغلقت، والأطفال باتوا ضحايا للرعب والتشرد، فيما ارتفعت حالات النزوح الداخلي، حيث لجأ آلاف المدنيين إلى مناطق قريبة من الفاشر لا تتوفر فيها أدنى مقومات الأمان أو البنية التحتية.
صمت دولي مريب
ورغم فداحة الوضع، لا تزال الاستجابة الدولية خجولة إن لم تكن غائبة. المنظمات الإنسانية تواجه صعوبة في الوصول إلى المدينة، فيما لم تُحرّك الهيئات الإقليمية والدولية ساكنًا إزاء هذا الحصار الذي يُعدّ جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي. ويطالب نشطاء ومراقبون بضرورة فتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات، وتوفير حماية دولية للمدنيين المحاصرين، وهذا يقودنا للسؤال التالي اين المجتمع الدولي والإقليمي (المحلي)؟
أين المجتمع الدولي والإقليمي (المحلي)؟
رغم تكرار النداءات من منظمات إنسانية وناشطين محليين، لم يُسجّل حتى الآن أي تحرك جاد من المجتمع الدولي أو الهيئات الإقليمية لرفع الحصار أو توفير ممرات آمنة للمساعدات. المفوضية السامية لحقوق الإنسان وصفت الوضع بـ “الحرج”.
نداء من قلب المأساة
المدنيين في الفاشر يموتون ببطء، وأطفالهم يبكون من الجوع كل ليلة، هذا ما قالته أم حليمة، وهي نازحة تعيش في مدرسة تحولت إلى مأوى مؤقت في الفاشر. هذا الصوت، وغيره من أصوات المدنيين، يجب ألا يبقى بلا صدى.
إن ما يجري في الفاشر ليس أزمة عابرة، بل جريمة إنسانية مكتملة الأركان. والحاجة إلى تدخل فوري – سياسي وإنساني – لم تعد قابلة للتأجيل. فكل ساعة تمر، تُزهق فيها أرواح بريئة كان من الممكن إنقاذها، لو يتحرك العالم.
في الختام
مدينة الفاشر اليوم ليست فقط رمزًا للمعاناة السودانية، بل شاهدًا حيًا على فشل المجتمع الدولي في التصدي للأزمات الإنسانية قبل أن تتحول إلى كوارث. فمع كل يوم يمر، تزداد المأساة عمقًا، وتضيق خيارات البقاء أمام آلاف المدنيين الأبرياء. إن رفع الحصار الجائر، وتقديم العون الإنساني العاجل، لم يعد خيارًا، بل واجبًا أخلاقيًا وقانونيًا على الكافة ولا يحتمل التأجيل.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات