الأربعاء, سبتمبر 3, 2025
الرئيسيةمقالاتالدور الإماراتي في حرب السودان ومسار تدويل النزاع د.رجاء عبدالله الزبير الملك

الدور الإماراتي في حرب السودان ومسار تدويل النزاع د.رجاء عبدالله الزبير الملك

تُعد الحرب المستعرة في السودان منذ أبريل 2023،واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث ،إذ تسببت في نزوح أكثر من عشرة ملايين شخص ،إلى جانب الأنتشار المروع
والواسع للعنف الجنسي ،
وتصاعد المجاعة ،
وارتكاب فظائع ترقى إلى مستوى جرائم ضد
الإنسانية بل وحتى الإبادة الجماعية ،لا سيما في ولاية غرب دارفور.

وفي صميم هذا النزاع الدموي ،يبرز دور الإمارات العربية المتحدة بوصفها فاعلاً خارجياً ساهم
بشكل مباشر في تأجيج الحرب، عبر دعمها الواسع النطاق لقوات الدعم السريع المتمردة
وهذ التدخل الممنهج لا يمكن اعتباره مجرد دعم واصطفاف سياسي أو تموضع إقليمي ،بل هو
تدخل له آثار إنسانية كارثية وتبعات قانونية دولية ، يستدعي إعادة توصيف طبيعة النزاع من
كونه نزاعاً مسلحاً غير دولي إلى نزاع مسلح مدول وفقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني .

لقد نشأت قوات الدعم السريع المتمردة من ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة ،تقود منذ
اندلاع النزاع حملة عسكرية واسعة النطاق ضد المدنيين ،شملت عمليات تطهير عرقي
واختطاف واغتصاب جماعي ،وتهجير قسري،مع استهداف بشكل مباشر ومنظم لمجموعات
إثنية بعينها ،خاصة في إقليم دارفور،وقد وثقت تقارير أممية ودولية هذه الفظائع بوضوح،
مما يجعل من المساءلة القانونية ضرورة ملحة ،لا تقتصر على مرتكبي الجرائم فحسب ،بل
تشمل كذلك الجهات التي تُمكنهم وتدعمهم سياسياً وعسكرياً ومادياً.

وفي هذا السياق تتصاعد الأدلة الموثقة عن هذه الفظائع ، بشكل واضح لتُظهر بوضوح
أن الإمارات لا تملك علماً بهذه الإنتهاكات فحسب،بل تلعب دوراً محورياً في تمكين هذه
القوات من الاستمرار في عملياتها ،ويشمل هذا التمكين أشكالاً متعددة من الدعم العسكري
والتقني والمالي ،مما يكرس وضعاً قانونياً معقداً يحمل في طياته مسؤوليات دولية محتملة.

فقد كشفت تحقيقات أممية ،وصور أقمار صناعية ،وتقارير صحفية دولية موثقة
أبرزها تحقيق موسع نشرته صحيفة نيويورك تايمز ، عن نقل الإمارات لشحنات من
الأسلحة إلى قوات الدعم السريع ،أحياناً تحت غطاء المساعدات الإنسانية ،في إنتهاك
صارخ لحظر الأسلحة المفروض على دارفور بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1591،الصادر
عام 2005،كما أظهرت بيانات صادرة عن مرصد نزاع السودان
(The sudan conflict observatory)،الممول من وزارة الخارجية الأمريكية،أنه خلال
الفترة من يونيو 2023 إلى مايو 2024،سٌجلت 32 رحلة جوية إماراتيه محملة بمعدات
عسكرية إلى هذه القوات.

كما أكدت منظمة العفو الدولية الدولية،(Amnesty International
إستخدام قوات الدعم السريع لمركبات مدرعة إماراتية الصنع مزودة بتكنولوجيا فرنسية
في عملياتها العدائية ،والدعم لم يكن تقنياً وعسكرياً فحسب بل شمل كذلك الدعم
بالتمويل المالي مباشرة،إذ تدير شركات مملوكة لعائلة قائد قوات الدعم السريع

محمد حمدان دقلو (حميدتي)،
بالإمارات عمليات تهريب وغسل ذهب على نطاق واسع
انطلاقاً من الأراضي الإماراتية ويُستخدم ريعه في تمويل الحرب،وتوجد كذلك
مزاعم موثقة باستخدام الهلال الأحمر الإماراتي كغطاء لنقل شحنات أسلحة.

رغم النفي المتكرر من المسؤولين الإماراتيين لوجود أي دور مباشر في النزاع ،إلا أن الأدلة
المستقلة تتزايد لتؤكد وجود دور إماراتي فاعل في تغذية النزاع المسلح ،وحتى جهات
رسمية أمريكية باتت تُقر ضمنياً بهذا التورط ،حيث وجه أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي

من بينهم السيناتور (كريس فان هولن) (Chris Van Hollen) اتهامات صريحة للإمارات
بالكذب على واشنطن بشأن وقفها لتسليح قوات الدعم السريع ،في حين تشير التحقيقات إلى العكس تماماً.

إن هذا الدعم المتعدد الأوجه من دولة الإمارات ،إلى طرف متمرد يُعزز من قدرة قوات الدعم
السريع على مواصلة عملياتها ،ويُطيل أمد الحرب ،ويُسهم في تقويض فرص الحل السياسي ،
ووفقاً لقواعد القانون الدولي،فإن الدعم العسكري والمادي المباشر من دولة إلى طرف
متمرد في نزاع داخلي ، يجعل من الدولة الداعمة طرفاً غير مباشر في النزاع ،خصوصاً عندما يتسم دعمها بالاستمرارية والتأثير الحاسم على مجريات الحرب ،وهذا ما يُحيل النزاع
السوداني من كونه صراعاً داخلياً إلى نزاع مسلح مدول مما يترتب عليه تبعات قانونية دولية
ومسؤوليات جنائية محتملة لكل من يشارك في تأجيجه،أو يستفيد من استمراره.

من هذا المنطلق ‘فإن التدخل الإماراتي لا يمكن اعتباره مجرد دعم سياسي أو اصطفاف إقليمي عابر بل هو مشاركة فاعلة ذات آثار إنسانية كارثية وتبعات قانونية دولية جسيمة ، لذا فإن
المجتمع الدولي ،وخاصة الدول التي تقدم نفسها كمدافعة عن القانون الدولي وحقوق الإنسان
باتت مطالبة باتخاذ موقف واضح تجاه هذا التواطؤ ،وإن التغاضي عن هذا الدور من شأنه أن يُضعف النظام القانوني الدولي ويمنح الضوء الأخضر لمزيد من التدخلات التي تؤدي إلى تدمير دول ،وإبادة شعوب وتفكيك مجتمعات باكملها

4/سبتمبر/2025

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات