إن بناء السودان ليس شعارًا نردده، بل مسؤولية كبرى تحتاج إلى سواعد سودانية خالصة، تدرك حجم الأمانة الملقاة على عاتقها.
الوطن، كبيت شامخ، يبدأ بتخطيط حكيم، ثم خارطة واضحة، ثم الحفر ووضع الأساس، يليها رص الطوب حتى يكتمل البنيان. وهكذا هو الوطن، لا يُشيَّد في يوم وليلة، بل يمر بمراحل تبدأ بالتربية الصالحة، ثم التعليم الراسخ، فالعمل الجاد، وصولًا إلى بناء متكامل الأركان.
وقد أرشدنا القرآن الكريم في سورة النمل إلى معالم النهضة، فأولى ركائز البناء إعلاء شأن العلم، كما قال تعالى:
﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ﴾
فالعلم أساس القوة، والتعليم ونشره ضمان لنهضة الأجيال.
والاكتفاء الذاتي في الغذاء والدواء والصناعة يحفظ سيادتنا، كما أن التعددية في اللون والفكر والمعتقد لا تمنع وحدة الصف إذا توحّد الهدف. والاتحاد والترابط بين أبناء الوطن قوة له، وكل إنجاز يتحقق لا بد أن نشكر الله عليه، مصداقًا لقوله تعالى:
﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾
كما بينت السورة أهمية تفقّد أحوال الرعية، كما فعل سليمان عليه السلام حين قال:
﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾
وهذا أصل في المتابعة والرعاية. وعلى المسئول أن يتثبت من الأخبار قبل الحكم، كما جاء في قوله تعالى:
﴿سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾
ولا يكتمل بناء الوطن إلا بالشورى، كما قال سبحانه:
﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾
ويؤكد النبي ﷺ على قيمة العمل في نهضة الأمم بقوله:
«ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده»
وفي حديث آخر: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».
إن شباب السودان هم وقود النهضة، تربوا على ترابه، وشربوا من نيله، وسهروا الليالي من أجل وطن قوي، حر، متماسك، يقف شامخًا بين الأمم، بعيدًا عن وصاية الآخرين أو تدخلهم في قراراته وسيادته. والسودان لن يبنيه إلا أبناؤه، ولن نحمي أرضه ومياهه وثرواته إلا بسواعدنا.
لن نمد يدنا لمن يطمع في نيله أو خيراته، ولن نسمح لمن يتخفى بشعارات الأخوة أن يمد جسوره على حساب سيادتنا. كل حجر في البناء يجب أن يكون بأيادٍ سودانية، وكل قرار يُتخذ من قلب الخرطوم لا من عواصم أخرى. ومن يطمع في أرضنا ومائنا عليه أن يعرف أن السودان ليس للبيع، وأن أبناءه هم السد المنيع أمام كل الأطماع.
لقد علّمتنا التجارب أن الاعتماد على الغير، خاصة أولئك الذين يطمعون في خيرات بلادنا، لن يجلب لنا إلا الفقر والتبعية. وهناك من يتربص بمياهنا وأرضنا وثرواتنا، يسعى ليكون شريكًا في القرار دون أن يدفع ثمنًا سوى شعارات مزيفة. لكننا نؤمن أن السودان لن يُبنى إلا بسواعد أبنائه، فهم وحدهم الأقدر على صون خيراته من النهب، وحماية حدوده من الأطماع.
قال الشاعر التجاني يوسف بشير:نحنُ جندُ اللهِ جندُ الوطن
إن دعا داعي الفداء لم نخن
كما قال الشاعر الوطني محجوب شريف:
حَنَبْنِيهُو البنحلم بيهو يوماتي
وطن شامخ وطن عاتي
وطن خيِّر ديمقراطي
وطن مالك زمام أمرو
ومتوهج لهب جمرو
مسيرة البناء ليست سهلة، وستواجهنا التحديات والعوائق، لكن بالتكاتف وكسر الإحباط سنمضي قدمًا. لقد فعلتها أمم أخرى حين رفضت أن يمد الغريب يده ليمسك بمقود سفينتها، فحافظت على سيادتها ونهضت، ونحن قادرون على أن نفعل الشيء نفسه.
نعم، نحن أبناء هذا الوطن الطيب، سنبنيه بسواعدنا، ولن نسلم مفاتيحه لمن يتربص بخيراته. سلاحنا العلم، وهدفنا القمم، وعزيمتنا لا تلين. سنكون معول بناء لا معول هدم، وسنحافظ على إرث أجدادنا، ونواصل من حيث توقفوا، حتى يظل السودان حرًا، عزيزًا، مكتفيًا، لا يقف في طابور التبعية خلف أحد.
سنواصل البناء ان شاء الله، سنبني السودان بسواعد سودانية، وبنهج قرآني أصيل.