في زمن الانتقائية القاسية لم تسلم حتى القضايا الإنسانية من مقصّ التجاهل ولم تعد معاناة الناس تُقاس بحجم الألم بل بحجم الضوء المُسلّط عليها. فبينما تسابق البعض لنثر قصة المذيعة التلفزيونية المعروفة على منصات التواصل كما يُنثر ماء زمزم “لما شُرب له” !!
ظلت صرخة زينب زكريا موسى حبيسة جدران مدينة الصمود فاشر السلطان تطرق القلوب دون أن تجد من يُنصت لها كما ينبغي.
صادق الدعوات للمذيعة المحترمة .. المكافحة .. المناضلة… الأم .. أن يمنّ الله عليها بعاجل الشفاء لكن ماذا عن زينب؟ تلك التي وسطت جرحها النازف بالصبر ولم تشكُ ألماً ولم تطلب بُرءاً بل وقفت بوجه العاصفة وواجهت العدو الذي لم يعرف للإنسانية معنى، وهو يحاصرها لأكثر من عام مع أكثر من ثلاثمائة الف روح في “الفاشر أبو زكريا”، حيث غاب الضمير، وغاب حتى صوت التعاطف.
لم تكن زينب يوماً وجهاً إعلامياً، ولا فكرت أن تكون نجمة شاشات، لكنها اليوم وجه الوطن الذي غفل عنه الإعلام، وصرخة الأرض التي لا تعرف الانحناء. جلجلة صوتها وهي تنادي بانعدام “الأمباز” – علف الأبقار – الذي أضحى الغذاء الأساسي لأطفال الفاشر، أوجعتنا أكثر مما أوجعنا القصف. كيف يعقل أن يكون العلف، لا الحليب هو الغذاء اليومي للأطفال؟ أليست هذه مأساة تحتاج منا وقفة، لا تمريرة عابرة؟
الأسئلة لا تنتهي هل نحن أمام عجز فعلي؟ أم تجاهل متعمد؟ وإن كانت المذيعة نالت نصيبها من التضامن والدعاء، فزينب تستحق أكثر. تستحق أن يُكتب اسمها بأحرف من نور في سجل الصابرين الصادقين، لا لأنها نادت بصوتٍ مبحوح، بل لأنها ما زالت تؤمن أن الأرض لا يورثها إلا أهل الصمود.
لزينب، ولكل زينب في فاشر السلطان نقول .. نحن معكم وإن ضاق الصدر وقلت الحيلة فالدعاء لكم لا يقل صدقاً عن التضامن مع من شغل الإعلام مكانها.
ادركوهم.. ولو بالدعاء.