السبت, يوليو 5, 2025
الرئيسيةمقالاتوجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي ...

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي الموارد المائية في مهب الريح

في سياق الإعلان المحدود لتشكيل “حكومة الأمل”، تبرز تساؤلات كثيرة تتعلق باتجاهات إعادة هيكلة الجهاز التنفيذي، خصوصًا فيما يتصل بوزارة الموارد المائية والري. حيث يأتي تعيين البروفيسور عصمت قرشي وزيرًا للزراعة والري ليشير ضمنيًا إلى فصل اختصاصات الري عن بقية مكونات الوزارة، ما يعيد إلى الواجهة النقاش حول إمكانية استحداث وزارة مستقلة تُعنى “بالموارد المائية والسدود” .

تستمد هذه الفرضية وجاهتها من الأهمية الاستراتيجية البالغة لهذا القطاع في السياق الجغرافي والسياسي للسودان، بالنظر إلى موقعه المحوري ضمن منظومة دول حوض النيل وتعقيدات ملف الأمن المائي الإقليمي.

لكن المفارقة الكبرى، وربما المقلقة، أن إعلان هذا التعيين جاء في اليوم ذاته الذي أعلن فيه رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد اكتمال بناء سد النهضة والدعوة لتدشينه في سبتمبر القادم ، في لحظة مفصلية للأمن المائي الإقليمي. في المقابل، الرد السوداني جاء بدمج وزارة الري مع الزراعة، في خطوة بدت للبعض إما افتقارًا للوعي بأهمية ملف المياه الإقليمي، أو تجاهلًا متعمدًا لما تمثله هذه الوزارة من عمق سيادي واستراتيجي.

كذلك لا ننسى الصراع الخفي الذي يدور هذه الأيام حول “اتفاقية عنتيبي” وإنشاء مفوضية حوض النيل، التي سيُعهد إليها إعادة النظر في اتفاقية تقسيم المياه بين دول الحوض، والموافقة المسبقة على أي مشروعات للأمن المائي ترغب في تنفيذها أي دوله.

هذا الدمج الذي قدّمه البعض كإجراء إداري وربما إعادة للهيكلة، يحمل في خلفياته دلالات كبيرة يجب الانتباه لها، إذ يطرح تساؤلات عن رؤية د. كامل إدريس لمفهوم الحوكمة، والإصلاح المؤسسي، وجدوى تفكيك وزارة كانت على مدار الحكومات المتعاقبة رمزًا للسيادة الوطنية والإدارة الفنية الرصينة.

وزارة الموارد المائية، بما تشتمل عليه من إدارات المياه الجوفية والوديان، هيئة مياه الشرب، الإرصاد، وحدة تنفيذ السدود ، وحصاد المياه، وأخرى، ليست مجرد منظومة إدارية، بل هي أحد أعمدة الأمن القومي للبلاد.

وقد أظهرت التجارب ، خلال حكومة د. عبد الله حمدوك، كيف أن العبث ببنية هذه الوزارة أدى إلى تراجع كبير في أدائها، حيث عُهد الملف إلى وزير غير متمرس، في وقت كانت فيه البلاد تواجه تحديات معقدة في ملف سد النهضة، ونزاعات الحدود المائية، وتدهور البنية التحتية المائية.

وما يزيد المشهد إرباكًا، أنه ورغم التحديات الجسيمة التي تواجهها البلاد في هذه المرحلة الحساسة، إلا أن وزارة الري والموارد المائية – بحسب ما يراه بعض المراقبين – لم تكن حاضرة بالشكل المطلوب في مشهد ما بعد الحرب، لا سيما فيما يتعلق بإعادة تقييم الأضرار واستئناف العمل الفني والمؤسسي. الوزير السابق ، بدأ وكأنه ابتعد عن الميدان التنفيذي، وانشغل بقضايا داخلية أثّرت على وتيرة العمل، وقلّصت من مشاركة الكفاءات الفنية التي طالما شكّلت العمود الفقري للوزارة.

وإن كنا لا ننكر صعوبة المرحلة وضغط الظروف، إلا أن الاعتماد على دائرة ضيقة في إدارة الملفات – وسط تغييب الطاقات المؤهلة – ألقى بظلاله على أداء الوزارة. فُرضت إجازات مفتوحة على عدد من العاملين، وتُركت ملفات مهمة دون المتابعة الكافية، في وقت كانت فيه الوزارات الأخرى تبادر إلى تشكيل لجان لحصر وتقييم الأضرار واستئناف الأنشطة الأساسية.

ووسط هذه المبادرات، غابت وزارة الموارد المائية عن مشهد يُفترض أن تكون في طليعته، نظرًا لما تمثله من أهمية استراتيجية في إعادة بناء البنية التحتية وخدمة المواطنين.. خصوصًا في المشروعات الزراعية.

قرار إعلان التشكيل الوزاري على دفعات، رغم ما يُروَّج له من كونه محاولة لترتيب الأولويات، يبدو في بعض مفاصله – ومنها حالة وزارة الموارد المائية – أنه محاولة لإعادة هيكلة بعض المفاصل الحيوية للدولة خارج دائرة النقاش الوطني أو الرقابة المجتمعية، مما يثير المخاوف من أن يكون ذلك مقدمة لقرارات أكبر تُتخذ في الخفاء، تحت لافتة “الإصلاح المؤسسي “.

وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن غياب الرؤية المتكاملة في إدارة ملف المياه، وتفكيك المؤسسات الفنية الراسخة دون بدائل واضحة، ينذر بكلفة استراتيجية باهظة سيدفع ثمنها السودان في أمنه المائي، وعلاقاته الإقليمية، وموارده المستقبلية.

فهل يصمد هذا النهج أمام اختبار الزمن والتحديات؟ أم أن إعلان الحكومة على دفعات سيكشف في النهاية عن تآكل في الفكرة، قبل أن تكتمل بنيتها؟

دمتم بخير وعافية.
السبت 5 يوليو 2025م Shglawi55@gmail.com

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات