السبت, يوليو 5, 2025
الرئيسيةمقالاتوحدة الصف سلاحنا الأهم في معركة الوجود ( ٢ ) ...

وحدة الصف سلاحنا الأهم في معركة الوجود ( ٢ ) بقلم: عبدالقادر عمر محمد عبدالرحمن

في لحظةٍ تاريخية كالتي يعيشها السودان اليوم، تصبح الواقعية السياسية وحسن التقدير من أهم أدوات صُنّاع القرار الوطني. وإن كان شعار المرحلة هو “وحدة الصف الوطني”، فإن جوهر هذا الشعار لا يقوم على تطابق المواقف أو إلغاء التباينات، بل على تغليب المصلحة الكبرى للوطن على ما دونها من مصالح.

إن استمرار بعض قيادات الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في مواقعهم داخل الحكومة الانتقالية، رغم ما يُثار من جدل في الأوساط السياسية، ليس خطيئة وطنية، بل ضرورة سياسية، وواحدة من الوسائل العملية للحفاظ على وحدة الجبهة المناهضة للمليشيا الانقلابية.

قراءة عقلانية في المشهد

من الناحية القانونية والسياسية، فإن مشاركة هذه الحركات تستند إلى نصوص واضحة في اتفاق جوبا، اتفاق تم توقيعه تحت مظلة رسمية، وتم الاعتراف به دوليًا، ويُعد أحد أعمدة المشروعية السياسية في المرحلة الانتقالية.
أي تجاوز تعسفي له، أو محاولة إخراج هذه القوى دون تسوية واضحة، من شأنه أن:

يفتح الباب لصراع قانوني وسياسي لا يخدم معركة الدولة ضد التمرد.

يخلق شرخًا جديدًا في الصف الوطني في وقت نحن فيه أحوج ما نكون إلى التماسك.

يمنح المليشيا فرصة دعائية لاستغلال التناقضات داخل الدولة والجيش.

المصلحة العامة فوق الاعتبارات الشخصية

صحيح أن تمسك بعض قادة الحركات بحقائبهم الوزارية في ظل المعركة المصيرية القائمة يُعد موضع تساؤل، إلا أن الموقف المسؤول ليس في التصعيد ضدهم، بل في إدارة الأمر بحكمة وطنية، توازن بين الشرعية الاتفاقية وضرورات الواقع.

إن إخراج هذه القوى من المشهد الآن دون توافق أو بدائل واضحة قد يربك الحكومة، ويشتت الانتباه، ويزيد من تعقيد المعركة، في وقتٍ نحتاج فيه إلى كل بندقية سياسية موجهة ضد المليشيا، لا إلى إطلاق النيران داخل خندقنا.

لتفويت الفرصة على المتربصين

إن المليشيا وحلفاءها الخارجيين يترقبون أي صراع داخلي يمكن أن يستثمروه في تفتيت جبهة المقاومة الوطنية.
الخطاب الإعلامي المضاد يروّج باستمرار لانقسام الصف الوطني، ويحرص على تضخيم أي تناقض أو تباين.
فهل نمنحهم هذه الهدية المجانية؟

الجواب يجب أن يكون: لا
بل نختار الصبر الاستراتيجي، والمراهنة على نضج المرحلة، مع التأكيد أن بقاء هذه القوى في مواقعها اليوم لا يعني إفلاتها من المراجعة مستقبلاً، بل هو تأجيل للصراع من أجل كسب الحرب الأكبر: معركة بقاء الدولة.

ما بعد النصر… لكل حادث حديث

إننا ندرك تمامًا أن الإصلاح السياسي الحقيقي يبدأ بعد التحرير، لا في خضم القتال.
بعد دحر المليشيا، ستُفتح الملفات السياسية والاقتصادية والتنظيمية، وستخضع كل التجارب لمراجعة عميقة.

لكن الآن، فإن السودان يحتاج إلى جبهة متحدة، تحشد الطاقات نحو المعركة الفاصلة، لا أن تُبدّدها في نزاعات داخلية.

خاتمة: الحكمة سبيل النصر

ما نحتاجه اليوم هو:

واقعية سياسية تبني على النصوص القانونية، لا على ردود الأفعال.

وطنية مسؤولة تقدم المصلحة العليا على الرغبات الفردية.

ثقة في أن وحدة الصف، مهما كلفت، أرخص من ثمن الانقسام.

ليعلم الجميع أن كل يومٍ نخوض فيه هذه المعركة ونحن موحدون هو يوم يقرّبنا من النصر.

ولنعلم كذلك أن من يريد إصلاح الوطن، لا يبدأ بتكسير أركانه في لحظة الخطر.

وحدة الصف ليست مجاملة سياسية… بل ضرورة استراتيجية لا نجاة دونها.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات