بقلم: عبدالله ودالشريف
تطفو مجدداً على السطح مخاوف جدية بشأن تدخلات قد تعيق سير مشروع زراعي حيوي في محلية الدويم بولاية النيل الأبيض، مما يثير تساؤلات ملحة حول التطبيق السليم للقانون وآليات الحوكمة.
يعاني مشروع “وكرة” الزراعي منذ العام الماضي من خلافات إدارية حادة. وعلى الرغم من محاولات سابقة لحسمها عبر قنوات قانونية، تشير تقارير إلى تجدد التوترات بشكل ملحوظ.
خلاف إداري أم تجاوز للصلاحيات؟
أقر المجلس الإداري للمشروع، المكون من 11 عضوا، بترشيح مستثمر لإدارة الموسم الزراعي بأغلبية واضحة (8 أعضاء). ومع ذلك، برز أحد الأعضاء (شقيق وزير التربية والتعليم بالولاية) مقدماً شكوى إلى وزارة الزراعة وأبرم عقداً منافساً مع شقيقه الأكبر، متجاوزاً بذلك قرار الأغلبية في المجلس. فما حقيقة ما يحدث؟
موقف وزارة الزراعة: استفسار أم تجاوز؟
الأمر الأكثر إثارة للتساؤل هو قرار وزارة الزراعة الولائية بإيقاف العمل بالمشروع بحسب المجلس، اتُخذ هذا القرار على خلفية الشكوى المقدمة، مع توجيهات لإدارة المحلية بتنفيذه. عند الاستفسار، نفى المهندس طارق ناصر (مدير المشاريع بالوزارة) تدخل الوزير المباشر، لكنه أكد وجود شكوى من شقيق الوزير، وأن الوزيرة أحالت الأمر له لإعداد تقرير، مع اعترافه بشرعية العقد الأول المبرم من أغلبية الأعضاء.
هذا الموقف يطرح تساؤلات حول توافق قرار الإيقاف مع الاختصاصات القانونية لوزارة الزراعة، خاصة في ظل فتوى سابقة أكدت أن إدارة شؤون الجمعيات المهن الزراعية هي من اختصاص وزارة العدل والمسجل عام مهن الإنتاج الزراعي والحيواني ومساعدي بالمناطق الجغرافية حصراً. أما دور وزارة الزراعة فيقتصر على الأمور الفنية كتحصيل أجرة الأرض ومراقبة الشرعية وتوفير الجازولين، دون صلاحية إصدار قرارات تعطيل كهذه.
آثار مقلقة وأسئلة ملحة:
هذه ليست المرة الأولى التي تُثار فيها مخاوف عن تدخلات تؤثر على المشروع، حيث سُجل سابقاً انهيار حاد في إنتاجيته. ما يحدث يدفع لطرح أسئلة جوهرية:
شرعية الإجراءات:إذا كان المجلس الإداري مُختاراً قانونياً واتخذ قراره بأغلبية واضحة، فما الأساس القانوني لقرار إيقاف المشروع؟ مشروعية العقد المنافس: بأي سند قانوني يُبرم عقد منافس من أقلية مخالفة لإرادة الأغلبية؟ حدود الاختصاص: هل تمتلك وزارة الزراعة الولاية القانونية لتعطيل مشاريع الجمعيات بناءً على شكاوى فردية خارج نطاق اختصاصها؟ دوافع التدخل هل ثمة ضغوط من وزير التربية والتعليم لصالح شقيقه؟ ولماذا تتكرر الخلافات من هذا الطرف بالتزامن مع مواسم حاسمة؟
نداء إلى المسؤولية:
يتوجه الرأي العام، ولا سيما المزارعين المستفيدين، إلى السيد والي ولاية النيل الأبيض الفريق قمر الدين فضل، ضامن سيادة القانون وحماية المال العام. فما يحدث في الدويم يمثل اختباراً لالتزام مؤسسات الولاية بمبادئ الحوكمة الرشيدة.
هناك حاجة ملحة لـمراجعة فورية للوقائع والأدلة القانونية حول قرار الإيقاف. توضيح الاختصاصات واحترام صلاحيات وزارة العدل في إدارة الجمعيات. ضمان العدالة بالتحقق الشفاف من تجاوزات الصلاحيات ومحاسبة المخالفين. حماية المشروع بضمان استمراريته وفق الآليات القانونية بعيداً عن التأثيرات غير المؤسسية.
استقرار المشاريع التنموية وثقة المواطنين بمؤسسات الدولة يتطلبان تحكيم القانون والشفافية، وإنهاء أي ممارسات تُفهم على أنها تجاوز للصلاحيات أو محاباة. النيل الأبيض، بموارده وطموحات أبنائه، يستحق أفضل من ذلك.