الأحد, أغسطس 3, 2025
الرئيسيةمقالاتالأمن المجتمعي ضرورة ملحّة في مواجهة الانفلات الأمني ما بعد الحرب .....

الأمن المجتمعي ضرورة ملحّة في مواجهة الانفلات الأمني ما بعد الحرب .. بقلم د.إسماعيل الحكيم..


إن أخطر ما يمكن أن تفرزه الحروب ليس فقط الدمار، بل تعوّد الناس على الفوضى. فبينما تضع حرب الكرامة أوزارها في أجزاء واسعة من البلاد وتبدأ ملامح التعافي تلوح في الأفق، تقف قضية الأمن المجتمعي كأحد أبرز التحديات التي تهدد الاستقرار والسلم الأهلي في السودان. ففي ظل الهشاشة الأمنية التي باتت ملموسة في كل حي وشارع ، حيث صار المواطن البسيط في مواجهة يومية مع مشاهد النهب، والسطو، والترويع… مشاهد لا تختلف في رعبها وخطرها عن مشاهد المعارك ذاتها.
لقد خلّفت الحرب واقعًا مضطربًا وأزمة أمنية عظيمة ، أبرز ملامحها الفراغ الأمني الكبير الناتج عن غياب الشرطة لفترات طويلة كانت ، وهو غياب استُغلّ بذكاء إجرامي منظم من قبل عصابات محترفة، في مقدمتها المجموعة المعروفة بـ”تسعة طويلة”، وهي تشكيلات إجرامية باتت معروفة بأساليبها العنيفة والمنظمة، وباستهدافها للمواطنين في بيوتهم، وطرقاتهم، وأماكن رزقهم.
هؤلاء ليسوا متفلتين من ظرف استثنائي، بل هم – على الأرجح – مجرمون محترفون وجدوا في غياب الدولة الأمنية فرصة ذهبية لتوسيع نشاطهم، حتى صاروا قوة تهديد موازية، إن لم نقل مساوية، لأخطار الحرب ذاتها. ولئن تستيقظ مدينة أنهكتها الحرب على صوت السرقات والتهديدات المسلحة، لهو مؤشر خطير على أن معركة ما بعد الحرب لن تكون عسكرية وكفى ، بل أمنية ومجتمعية بالدرجة الأولى.
ذلك أن معالجة هذا الوضع لا يمكن أن ينتظر اكتمال عودة مؤسسات الدولة وانتظام دولاب العمل ، بل يجب أن تبدأ من القاعدة المجتمعية حيث كانت ، فالأمن المجتمعي لم يكن يومًا مسؤولية الحكومة وحدها، بل هو ثمرة شراكة بين الدولة والمجتمع.
ومن هنا تبرز الحاجة الماسّة إلى الآتي :

  • رفع الوعي الأمني بين المواطنين عبر حملات إعلامية وتثقيفية.
  • إقامة دورات تدريبية مختصة في أساليب الحماية المجتمعية والوقاية من الجريمة.
  • تكوين فرق حماية أمنية في الأحياء بالتعاون مع السكان المحليين.
  • إحياء تجربة “بسط الأمن الشامل” التي أثبتت نجاعتها في فترات سابقة.
  • تعزيز دور الشرطة المجتمعية كحلقة وصل حيوية بين الجهاز الرسمي والمواطن.
    المرحلة تتطلب نموذجًا جديدًا من المواطنة . فالأمن ليس شعورًا بالطمأنينة وحدها، بل هو شرط أساسي لأي نهضة حقيقية واستقرار مرتجى. ولا يمكن أن تُبنى المدارس والمستشفيات والمصانع في بيئة يسودها الخوف والاضطراب. لذا فإن إعادة بناء السودان لا يبدأ من مشاريع الإعمار وحدها ، بل من إعادة الأمن للنفوس والبيوت. وهذا لن يتحقق ما لم يتحلَّ المواطن بروح المبادرة، وما لم تُعِد الدولة النظر في استراتيجياتها الأمنية لتواكب التحوّلات الجديدة وتدفع باتجاه شراكة أمنية شاملة تُعلي من دور المواطن كمراقب، ومُبلّغ، وشريك في الحماية.
    واليوم أمام السودانيين فرصة تاريخية لتجاوز الفوضى، لا بانتظار حلول جاهزة من الخارج، بل بصناعة حلول داخلية ترتكز على روح التضامن المجتمعي، وتحقيق معادلة الأمن عبر وعي الناس، وعودة القانون، وتكاتف الجميع.
مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات