الأربعاء, يوليو 30, 2025
الرئيسيةمقالاتلاقتصاد الرقمي في السودان: هل تُشعل التكنولوجيا شرارة التنمية في زمن الانهيار؟...

لاقتصاد الرقمي في السودان: هل تُشعل التكنولوجيا شرارة التنمية في زمن الانهيار؟ بقلم: [ الطيب الفاتح أحمد الشمبلي ] المجد نيوز


بينما يغوص السودان في واحدة من أعقد أزماته السياسية والاقتصادية منذ الاستقلال، تبرز التكنولوجيا الرقمية كأحد المسارات البديلة لبناء اقتصاد أكثر مرونة واستدامة. وفي ظل الانهيار المؤسسي وشلل البنية التحتية، يزداد إلحاح سؤال التحول الرقمي: هل يستطيع الاقتصاد الرقمي أن يقدم حلولًا واقعية لأزمات السودان؟ أم ستظل هذه الطموحات حبيسة الانقطاعات والغياب السياسي؟
السودان… حيث تتقاطع الأزمات مع الفرص :
يشكل الشباب أكثر من 60% من سكان السودان، في بلد تتزايد فيه معدلات استخدام الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، رغم الانقطاع المتكرر للإنترنت والانهيار الواسع في البنية التحتية. بدأت ملامح اقتصاد رقمي غير رسمي بالظهور، خاصة في مجالات التجارة الإلكترونية، وصناعة المحتوى، والخدمات المالية الرقمية.

وبحسب تقرير البنك الدولي (2022)، فإن 26% فقط من السودانيين يملكون حسابات مصرفية رسمية، بينما تعتمد نسبة كبيرة من التحويلات الداخلية والخارجية على القنوات غير الرسمية. هذه الفجوة تفتح الباب أمام التكنولوجيا لتعزيز الشمول المالي وتحديث الاقتصاد.
برزت بعض المبادرات المحلية مثل منصة “محفظتي” للخدمات المالية، ومبادرات التعليم عبر تطبيقات واتساب في مناطق النزوح، لكنها لا تزال جهودًا فردية تفتقر للدعم المؤسسي والرؤية الوطنية.
ورغم محدودية هذه البوادر، فإنها تؤشر إلى إمكانات واعدة إذا توفرت بيئة مناسبة واستراتيجية متكاملة. والتحدي اليوم لا يكمن في الإمكانات، بل في القدرة على التحول من المبادرات الفردية إلى منظومة رقمية وطنية.
الاقتصاد الرقمي.. فرصة لا تُعوّض :
الاقتصاد الرقمي لا يعني مجرد التسوق عبر الإنترنت، بل يمثل منظومة متكاملة من الخدمات الرقمية القادرة على إحداث نقلة نوعية في التنمية، خاصة في سياق هشّ كسياق السودان.

الخدمات المالية الرقمية: كسر دائرة التهميش :
في ظل حرمان ملايين السودانيين من الخدمات المصرفية، تتيح التكنولوجيا المالية (FinTech) إمكانية توسيع الشمول المالي، وتيسير التحويلات، وتوفير أدوات التمويل الأصغر، خاصة في الريف والمناطق المتأثرة بالنزاع.

التعليم الرقمي: مدرسة في كل هاتف
مع تدمير آلاف المدارس بسبب الحرب، يبرز التعليم الرقمي كنافذة أمل عبر الهواتف الذكية أو الإذاعة والتلفزيون. وقد استخدمت دول أفريقية مثل أوغندا تقنيات بسيطة كرسائل SMS لتدريس المناهج في الأرياف.

الزراعة الذكية: من المحراث إلى الذكاء الاصطناعي
تُعدّ الزراعة قلب الاقتصاد السوداني، ويمكن للتكنولوجيا أن تُحدث فيها ثورة: من تتبع الطقس وتحليل التربة، إلى تسويق المحاصيل وربط المزارعين بالأسواق. حتى الطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة يمكن أن تستخدم لمراقبة المحاصيل والكشف المبكر عن الآفات.

الصحة الرقمية: الإنقاذ من بُعد
مع انهيار النظام الصحي، يمكن للخدمات الطبية عن بُعد توفير استشارات أساسية، خاصة للنساء والأطفال في المناطق المحرومة. كما يمكن استخدام روبوتات محادثة (chatbots) لتقديم معلومات طبية موثوقة في بيئات معقدة.

خارطة الطريق: كيف نحول التحديات إلى فرص؟
رغم الإمكانات، فإن التحديات ضخمة:

بنية تحتية رقمية متهالكة، خاصة في شبكات الكهرباء والاتصالات.

انقطاع دائم للإنترنت وضعف التغطية خارج المدن.

غياب تشريعات لحماية البيانات وتنظيم القطاع الرقمي.

نقص حاد في المهارات الرقمية.

هشاشة الدولة واستمرار النزاعات.

ضعف الاستثمار المحلي والدولي.

غياب الأمن السيبراني.

إذن، ما العمل؟
إعداد استراتيجية وطنية للتحول الرقمي تشارك فيها الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

دعم حاضنات الابتكار وتمويل المشاريع الريادية خاصة في مجالات التعليم والصحة والزراعة.

إنشاء مجلس وطني للتحول الرقمي يضم ممثلين عن الشباب والخبراء.

بناء شراكات مع شركات التقنية العالمية ومؤسسات التنمية.

سن قوانين رقمية حديثة تضمن الحماية والخصوصية.

دمج التكنولوجيا في برامج الإغاثة والتنمية.

تفعيل دور السودانيين في الشتات بوصفهم رافعة معرفية وفنية.

ما الذي يمكن أن يحدث إذا؟
تخيل لو تبنت ولاية خارجة من النزاع نموذجًا رقميًا لإدارة الخدمات العامة: تسجيل الولادات إلكترونيًا، توزيع المساعدات رقميًا، وتتبع الحضور المدرسي عبر تطبيق بسيط. هذه التجربة قد تكون نواة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن.

في رواندا، قاد التحول الرقمي إلى تعزيز الشفافية رغم محدودية الموارد. فهل يمكن للسودان – ولو تدريجيًا – أن يكرر هذا النموذج؟

التكنولوجيا ليست ترفًا.. بل أداة نجاة:
قد يبدو الحديث عن الرقمنة ترفًا في بلد تتنازع فيه المليشيات على العاصمة، لكن الواقع أن الاقتصاد الرقمي بات ضرورة لا خيارًا. ففي عالم يتحول بسرعة نحو التكنولوجيا، لا يمكن للسودان أن يظل على الهامش.

صحيح أن التكنولوجيا لا تعالج جذور الأزمة السياسية، لكنها تتيح أدوات لبناء اقتصاد جديد: أكثر كفاءة، أقل فسادًا، وأقرب للمواطن. وإذا وُجدت الإرادة السياسية والبيئة الحاضنة، فقد تكون الشرارة الرقمية بداية نهوض سوداني حقيقي، يولد من بين ركام الحرب والانهيار، ويُبنى بسواعد أبنائه لا بالهبات العابرة.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات