الأحد, يونيو 8, 2025
الرئيسيةمقالاتمجلس للعلاقات الخارجية أم للسياسة الخارجية؟ ...

مجلس للعلاقات الخارجية أم للسياسة الخارجية؟ الركابي حسن يعقوب

في الأنباء أن رئيس الوزراء كامل إدريس وجه بإنشاء مجلس للعلاقات الخارجية يضم سفراء وخبراء وأكاديميين متخصصين وممثلين من الجهات ذات الصلة للمساعدة في “إتخاذ القرار ووضع رؤية استراتيجية للعلاقات الخارجية”.

هذا جزء من الخبر الذي أوردته وكالة السودان للأنباء أمس الأول الثلاثاء، كما هو من حيث الصياغة والمفردات والمفاهيم.

والملاحظة التي لفتت نظري وجديرة بالنقاش ، أو قل الاستفهام، هي ما المقصود من إنشاء المجلس، هل هو مجلس لصنع السياسة الخارجية ، أم أنه مجلس لإتخاذ القرار الخاص بالسياسة الخارجية كما ورد في خبر (سونا)..

فهناك فرق كبير بين صنع القرار وإتخاذ القرار، رغم أن بينهما عنصر مشترك يتمثل في ذلك الخيط الرفيع الذي يربط بينهما.

ف (صنع القرار) Decision Making هو عملية Process شاملة تتضمن عدة مدخلات تبدأ بتحديد المسألة The issue ومن ثم جمع المعلومات ذات الصلة بها ثم تحليلها ووضع البدائل بناءاََ على عملية التحليل ثم تقييم هذه البدائل وتحديد معايير إختيار البديل أو البدائل المناسبة.

أما (إتخاذ القرار) Decision Taking فهو الإختيار النهائي للقرار الأفضل من بين البدائل التي تم التوصل إليها في عملية صنع القرار، ويتم إتخاذ القرار في الغالب بواسطة رئيس الدولة أو رئيس الحكومة بحسب النظام السياسي المتبع ومن ثم تقوم الجهة المنوط بها تنفيذ القرار بتنفيذه عبر آلياتها التنفيذية والمهنية في حدود صلاحياتها التنفيذية وهي في حالة السياسة الخارجية وزارة الخارجية.

الملاحظة الأخرى التي تحتاج لتوضيح هي هل المقصود إنشاء مجلس للعلاقات الخارجية، أم مجلس للسياسة الخارجية، لأن هناك فروق بين المفهومين من الصعب تجاوزهما.

فالسياسة الخارجية هي مجموعة الاستراتيجيات والإجراءات والسياسات التي تتبعها الدولة في حركتها الخارجية باستخدام أدوات ووسائل مختلفة دبلوماسية ، وعسكرية، واستخباراتية ، ودعائية ، وذلك بهدف حماية مصالح الدولة السيادية ، والسياسية، والاقتصادية، والأمنية ، والدفاعية ، والثقافية ، والقيمية وتعزيز مكانتها في الساحة الدولية.

أما العلاقات الخارجية فهي مجموعة التفاعلات التي تقوم بها الدولة في الخارج لتطبيق وإنفاذ سياستها الخارجية في الساحة الدولية وتوسيع رقعة علاقاتها مع الدول والكيانات الدولية لتكون جزءاً مؤثراََ في السياسة الدولية وكل ذلك من أجل تحقيق أهدافها وحماية مصالحها باستقطاب المنافع ودفع المضار ، على أساس القاعدة الفقهية “جلب المصالح ودرء المفاسد”.

وبناء على ما تقدم فإنه من الأفضل أن يكون الجسم المقترح والمزمع إنشاؤه أن يكون معنياََ ب (صنع السياسة الخارجية) ، لأن عملية صنع السياسة الخارجية عملية مستمرة، فنتائج تفاعلات الدولة في الساحة الدولية تقتضي وجود جسم منعقد بصورة مستمرة لمعالجة هذه النتائج وتعديل السياسات وفقاً لهذه النتائج بما يعزز أهداف الدولة ويحمي مصالحها.

إن فكرة إنشاء مجلس للسياسة الخارجية هي فكرة ليست “ذكية” فحسب ، ولكن بالإضافة لذلك فهي تكرس لمبدأ الحوكمة المؤسسية وهو مبدأ مهم جداً في إدارة الدولة وأحد أهم معايير الجودة في الحكم.

ظل السودان يعاني زهاء سبعة عقود هي فترة الحكم الوطني من علل غياب المؤسسية في صنع القرار عموماً حيث تنكبت الدولة السودانية الطريق نحو تحقيق أهدافها ومصالحها الوطنية بسبب غياب المؤسسية، والتي إن وجدت في عهود بعض الأنظمة إلا أنها كانت شكلية أفرغت من محتواها وصارت مجرد أجسام ورسوم لا يتجاوز دورها دور خيال المآتة.

إن التحديات الكبرى التي يواجهها السودان منذ الخامس عشر من أبريل 2023 وما ترتب عنها من تداعيات تقتضي مراجعة شاملة للنهج القديم الذي كانت تدار به الدولة وهو نهج لطالما أورث الدولة السودانية تركة ثقيلة من التخلف والتخبط والتيه.

والتحدي الخارجي هو الأكثر أهمية الآن كونه يمثل تهديداََ مباشراََ وخطيراََ لوجود الدولة نفسها بمكوناتها الثلاث،( الأرض ، الشعب، السلطة).

لهذا السبب فإنه يحمد لرئيس الوزراء اهتمامه بما يمكن أن نسميه بمأسسة عملية صنع السياسة الخارجية، كما هو الحال في كثير من الدول المتقدمة والخروج بها من قوقعة الشلليات ومراكز القوى ودهاليز أصحاب المصالح الخاصة ودوائر العمالة للخارج والجواسيس والأرزقية الذين أوردوا الدولة مورد الخراب والتدمير وشبح الانقسام والتشرذم.

إن المجلس المزمع إنشاؤه لا بد أن تكون القوات المسلحة وجهاز المخابرات والشرطة والإعلام ممثلة فيه بصورة أساسية، مضافاََ إليهم الجهات الأكاديمية ذات الصلة الوثيقة بالشأن الخارجي ، وأن تكون مستودعات الفكر Think Tanks من مراكز التخطيط والبحوث والدراسات الإستراتيجية والأمنية روافد للمجلس المقترح تمده بما هو ضروري للقيام بمهامه.

نأمل ألا تموت الفكرة ، وألا تفرغ من محتواها بنهج المحاصصة والمجاملة في عملية تشكيل المجلس المعني حتى لا يلحق بما سبقه من أجسام أصبحت مجرد لافتات في مباني مثل شواهد الموتى بزاوية الطريق.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات