في تحول ميداني كبير، أعلنت القوات المسلحة السودانية اكتمال عمليات التمشيط وتأمين العاصمة الخرطوم، لتصبح خالية تماماً من وجود مليشيا الدعم السريع الإرهابية، بعد تحرير آخر معاقلهم في منطقتي الصالحة والجموعية. هذا النصر الحاسم مثّل نقطة فارقة في سير العمليات العسكرية، ودفعة معنوية كبيرة للقوات النظامية والمواطنين، إذ بات واضحاً أن المعركة تقترب من نهايتها.
إعلان الخرطوم خالية من الجنجويد يعكس بوضوح التفوق التكتيكي العسكري للقوات المسلحة، ويؤكد أن ساعة الحسم قد حانت، وأن ما تبقى من عناصر المليشيا باتوا يفرون هاربين إلى أطراف البلاد في محاولة يائسة لإعادة تجميع صفوفهم.
وعلى غرار سلوكها الدموي المعروف، كشفت القوات المسلحة خلال تمشيطها للمناطق المحررة عن وجود صناديق تضم أجساماً بشرية متحللة، في مشهد مروّع يعيد إلى الأذهان مجازر ارتكبتها المليشيا في مدن أخرى اجتاحتها سابقاً وتُضاف هذه الجرائم إلى سجل الانتهاكات الذي يثبت يوماً بعد يوم الطابع الإرهابي لهذه المليشيا.
انتشار الجيش وتمدده في مناطق جديدة كانت تحت سيطرة المليشيا مكنه من وضع يده على مزيد من الأدلة التي تؤكد التورط الإماراتي في دعم وتمويل مليشيا الدعم السريع، مما يحول الإمارات من مجرد داعم خارجي إلى طرف فاعل في تغذية الإرهاب والفوضى في السودان. وقد كان للدعم اللوجستي والعسكري الذي وفره نظام أبوظبي عاملاً أساسياً في تمكين المليشيا من ارتكاب جرائمها، وهو ما يستدعي موقفاً دولياً حازماً تجاه هذا التدخل السافر في الشأن السوداني.
تكبدت المليشيا خلال معركة الخرطوم، وبشكل خاص في الصالحة، خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، مع فرار قادتها الميدانيين، وعلى رأسهم المجرم قُجّة، الذي ظل يتنقل من منطقة إلى أخرى حتى شوهد أخيراً فاراً نحو بارا كما ظهر المتمرد المرتزق بقال في مقطع فيديو متداول وهو في حالة من الانهيار والبؤس، يعترف فيه صراحة بهزيمة المليشيا، بعد أن كان من أكثر الأصوات تشدقاً بالقوة وتوعداً لقوات الجيش في فترات سابقة. هذا الانهيار النفسي في صفوف قادة التمرد يكشف حجم الضربة التي تلقوها، ويؤكد أن نهايتهم باتت مسألة وقت لا أكثر.
كما استولت القوات المسلحة على كميات ضخمة من الأسلحة المتقدمة خلال عمليات التمشيط، بعضها ذو منشأ إقليمي، مما يفضح حجم الدعم الخارجي الذي تلقته المليشيا، ويضع مسؤولية مباشرة على المجتمع الدولي في محاسبة من يمدون الإرهاب بالسلاح والمال. وإذا أحسن السودان إدارة هذا الملف والتعامل معه بذكاء، فقد يحقق بذلك هدفاً مزدوجاً في مرمى الخصوم، داخلياً وخارجياً.
وبعد هذا الانتصار، يُنتظر من السلطات التنفيذية بولاية الخرطوم وضع خطة شاملة تقوم على استدعاء قوات الشرطة بكامل ربطها وتفعيل دورها المجتمعي لضبط الوجود الأجنبي غير المشروع، وإعادة الخدمات الأساسية، تمهيداً لعودة المواطنين إلى منازلهم واستئناف نشاط المؤسسات الحكومية من قلب العاصمة، إيذاناً بعودة الخرطوم إلى سابق عهدها نبضاً للحياة والسيادة الوطنية… لنا عودة.