السبت, سبتمبر 27, 2025
الرئيسيةمقالاتوجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي ...

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي سد النهضة.. في أول اختبارات الثقة بين السودان وإثيوبيا.

في أول اختبار عملي لاتفاق تبادل المعلومات الفنية بين السودان وإثيوبيا الموقع في أكتوبر 2022، أطلقت وزارة الري السودانية الخميس 25 سبتمبر 2025م عبر وحدة الإنذار المبكر تحذيراً عالي الخطورة من فيضانات محتملة على طول مجرى النيل، بسبب الارتفاع المفاجئ في مناسيب النيل الأزرق.

التحذير شمل عدة ولايات سودانية، أبرزها الخرطوم، وسنار، والجزيرة، والنيل الأبيض، الأمر الذي أعاد إلى الواجهة تساؤلات حرجة حول مدى التزام الجانب الإثيوبي بمبدأ الشفافية والتنسيق المسبق في إدارة مياه سد النهضة.

من الناحية الفنية، تجاوزت تصريفات سد النهضة، وفق” إفادات خبير الموارد المائية السوداني د. عثمان التوم حمد ، حاجز الـ750 مليون متر مكعب يوميًا، مقابل وارد مائي لا يتجاوز 450 مليون متر مكعب، مما يعني سحبًا مكثفًا من البحيرة بما يتجاوز 300 مليون متر مكعب يوميًا.

ويُرجح أن هذا السحب السريع مرتبط بمحاولة تقليل منسوب التخزين، خاصة في المترين الأخيرين من السد الركامي، وهي مناطق ربما لم تبلل سابقًا”. هذا بالنظر إلى أن إثيوبيا استعجلت التخزين الذي كان من المفترض أن يكتمل في 15 أكتوبر بدلًا عن مطلع سبتمبر 2025م.

لكن هذا التفسير، رغم وجاهته التقنية والهندسية، لا يلغي المخاوف المشروعة من غياب التنسيق الحقيقي مع السودان، إذ أن عمليات التصريف الكبيرة تمت دون إخطار مبكر أو تنسيق فعلي ، ما يُقوّض الأسس التي قام عليها اتفاق تبادل المعلومات الذي اعتمد لجان فنية ووزارية مشتركة بين البلدين تعني بسلامة الخزانات والتشغيل ، والتي كان آخر اجتماعاتها الأسبوع الأول من نوفمبر 2024م، حيث كان من المفترض أن تكون لها اجتماعات راتبة كل ثلاثة أشهر.

مع ذلك يبدو أن إثيوبيا تمارس ما يمكن وصفه بـ”سياسة الإخطار دون استشارة”، الأمر الذي يضع السودان أمام سياسة أمر واقع تُفقده القدرة على اتخاذ تدابير استباقية لحماية منشآته الحيوية وسكانه الموزعين على طول مجرى النيل الأزرق والنيل الرئيس.

من جهة أخرى، يعكس هذا التطور هشاشة الثقة بين الطرفين، رغم وجود اتفاق مكتوب يُفترض أنه يُنظم الإبلاغ والتشاور وتبادل البيانات اليومية المتعلقة بالتشغيل والملء. وتطرح هذه الحادثة أسئلة صريحة حول: مدى فاعلية آلية تبادل المعلومات اليومية. بالإضافة الي جدية الجانب الإثيوبي في تنفيذ التزاماته الفنية بعيدًا عن المناورات السياسية.

كذلك مدي قدرة السودان على مراقبة وتحليل البيانات المتبادلة بشكل مستقل في ظل محدودية أدوات الرصد عقب تأثره بالحرب وغياب مركز تحكم إقليمي.

من الواضح أن افتتاح سد النهضة في 9 سبتمبر 2025، أدخل المنطقة في معادلة مائية جديدة، تتجاوز الطابع الفني إلى أبعاد سياسية وأمنية أكثر تعقيدًا. فإثيوبيا، من خلال السد، باتت تتحكم في أكثر من 80% من مياه النيل الأزرق، ما يمنحها نفوذًا مائيًا كبيرًا على السودان ومصر، ويضع الدولتين أمام واقع مائي غير مسبوق من حيث التبعية والتأثر.

وبينما اختارت مصر المسار التصعيدي دوليًا، اتجه السودان إلى سياسة الانخراط المباشر عبر اتفاق تبادل المعلومات، مدفوعًا بضرورات تشغيلية وأمنية مرتبطة بقربه الجغرافي من السد خاصة تأثر سد الرصيرص بالإضافة إلى 20 مليون نسمة علي الضفاف.

ورغم صواب هذا الخيار نظريًا، إلا أن التجربة الأخيرة أظهرت أن “تبادل المعلومات” لا يمكن اعتباره مكسبًا حقيقيًا ما لم يُقرن بضمانات تنفيذية ملزمة والإسراع في تكوين آليات الرقابة المشتركة وقيام اجتماعاتها.

أمام هذا الواقع، تبدو الحاجة ماسة لإعادة تقييم الإطار التنفيذي لاتفاق تبادل المعلومات، خصوصًا في ضوء الحادثة الأخيرة. ويقترح الخبراء أن تُدرج السودان آليات رقابية محدثة ضمن الاتفاق، تشمل: غرفة تحكم وتشغيل مشتركة في الرصيرص وسد النهضة. بالإضافة إلى توقيتات إلزامية للإخطار المسبق قبل أي تغيير كبير في التصريف. بجانب مشاركة مباشرة للخبراء السودانيين في رصد وقياس تدفقات السد.

كما يشير بعض الخبراء إلى أهمية استغلال واقع السد كفرصة استراتيجية، عبر تطوير مشروعات مشتركة في مجالات الطاقة والزراعة والصناعة، ما قد يحوّل السد من نقطة توتر إلى رافعة تنموية حقيقية. غير أن ذلك لا يتحقق إلا بوجود شراكة فنية وسياسية منتجة مبنية على الشفافية والتنسيق والمصالح الاستراتيجية وليس الإملاء والانفراد بالقرار.

في نهاية المطاف، فإن حادثة الفيضانات الأخيرة لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق السياسي الأشمل للعلاقات السودانية الإثيوبية، حيث يظل الاتفاق الثنائي حول سد النهضة خطوة مهمة لكنها لا تكفي وحدها لضمان أمن السودان المائي، ما لم تُعزز بإرادة حقيقية للتعاون الفني الشفاف، وآليات فعالة للرصد والتنسيق والتدخل المشترك. إنها لحظة اختبار مبكر، لا للاتفاق فقط، بل لمجمل النهج الذي اختاره السودان في التعامل مع واحدة من أكثر القضايا حساسية في القرن الإفريقي.

يُعد اتفاق تبادل المعلومات بين السودان وإثيوبيا بحسب #وجه_الحقيقة خطوة ضرورية لكنها غير كافية، ما لم تُدعّم بإرادة سياسية جادة توازن بين المصالح الاستراتيجية والسياسية ،وشفافية تشغيلية تضمن أمن السودان المائي.

حادثة الفيضانات الأخيرة ، بمثابة اختبار مبكر لمدى نجاعة الاتفاق، وجرس إنذار يدعو إلى إعادة ضبط بوصلة العلاقة الفنية واستئناف الاجتماعات بين البلدين قبل أن يتحول سد النهضة من مشروع تنموي إلى نقطة توتر دائم.
دمتم بخير وعافية.
السبت 27 سبتمبر 2025م Shglawi55@gmail.com

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات