مجددا الدعوة إلى المجتمع الدولي لإدانة مليشيا الدعم السريع على ما ارتكبته من جرائم في حق المواطن السوداني ومن قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ارتفعت كلمة السودان لتصدح بصوت رئيس وزرائه د. كامل إدريس، حاملةً وجع الوطن وصموده، ومُجدِّدةً النداء العادل إلى العالم أن يقف في صف الحقيقة، وأن يُدين بوضوح جرائم مليشيا الدعم السريع، التي ارتكبت – وما زالت – أفظع الانتهاكات في حق المدنيين العُزّل، مهدِّدةً كيان الدولة وأمن المنطقة برمّتها.
جاء خطاب إدريس مشبعًا بروح المثابرة ، إذ لم يقتصر على توصيف المأساة فقط بل ارتقى إلى رسم ملامح مرحلة جديدة في تاريخ السودان السياسي والانتقال من جحيم الحرب إلى أفق الدولة المدنية المرتضاة ، حيث الحكم المدني يُعاد تأسيسه على قاعدة المشاركة والشرعية والعدل.
فقد تجلّى في الخطاب أسلوب مزدوج يجمع بين حرارة الوجدان ودقة الحجة فقد خاطب إدريس الضمير الإنساني للأمم المتحدة وهو يصف جرائم الدعم السريع كجرائم ضد الإنسانية في الوقت الذي استند فيه إلى القانون الدولي الذي يوجب المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب. وهذه المزاوجة بين الأخلاق والقانون أكسبت الخطاب قوة إقناعية تجاوزت حدود الدبلوماسية التقليدية الي المواكبة والعصرنة .
يُمكن قراءة خطاب إدريس سياسياً على أنه إعلانٌ واضح لانتهاء مرحلة وبدء أخرى تشكّل نظاماً مدنياً جديداَ في السودان. فالانتقال السياسي الذي أشار إليه رئيس الوزراء ليس انتقالاً شكلياَ، بل هو – وفق دلالات الخطاب – نقلة جوهرية تستند إلى شرعية داخلية وإلى رغبة في بناء دولة المؤسسات والإستراتيجيات . كما أن دعوته للمجتمع الدولي لإدانة المليشيات ودعم الإعمار تُعدّ محاولة لإعادة وضع السودان على الخارطة الدولية كدولة ذات سيادة، ساعيةً إلى بناء السلام وإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
كما عكس الخطاب إدراكًا عميقًا للعلاقة بين التنمية والسلام. إذ أشار إدريس بوضوح إلى أن الإعمار ليس مسألة هندسية أو اقتصادية فحسب، إنما مشروع متكامل لإعادة لُحمة المجتمع وترميم ما تصدّع من نسيجه بفعل الحرب. وهنا يتضح أن السودان لا يبحث فقط عن مساعدات عاجلة أو دعم مؤقت، بل عن شراكات استراتيجية لإرساء الاستقرار طويل الأمد.
لقد مثّل خطاب رئيس الوزراء السوداني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ما أرى نقطة فارقة في تاريخ السودان الحديث فهي لحظة يلتقي فيها صوت الضحية بنداء الدولة، ويتعانق فيها وجع الحاضر مع أمل المستقبل. إنه خطاب يضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته الأخلاقية والقانونية وذلك بإدانة مليشيا آل دقلو الإرهابية ودعم الحكم المدني بجانب الوقوف مع السودان في معركة الإعمار وبناء الدولة. Elhakeem.1973@gmail.com