منذ أن عرف الإنسان معنى الدولة والنظام، كانت الشرطة هي القوة الحامية للأمن ، والحصن المنيع ضد الفوضى والجريمة. فحيثما وُجدت الشرطة، وُجد الأمن والطمأنينة، وحيثما قامت بدورها، تحققت العدالة، وارتفع صوت الحق والقانون. وفي السودان، شكّلت الشرطة عبر تاريخها الطويل صمام الأمان الذي يحفظ المجتمع من الانهيار، ويضمن استقرار الدولة رغم المحن والتحديات.
لم تكن الشرطة في السودان يومًا مجرد جهاز إداري لتنفيذ القوانين، بل كانت دائمًا مؤسسة وطنية متجذرة في وجدان المجتمع ، تقوم بدور جوهري في حماية الأرواح والممتلكات ، وحفظ النظام العام ، وإنفاذ العدالة. فمنذ تأسيسها ظلت الشرطة في قلب الأحداث ، تؤدي دورها في خدمة المواطنين ، وتسهم معهم في تحقيق الاستقرار، رغم تعاقب الحكومات والأنظمة المختلفة لم تتخلف قط .
ففي زمن حرب الكرامة، حينما تعرض السودان لأعنف التحديات في تاريخه الحديث، كان أحد أخطر المشاهد التي عانى منها المواطن هو غياب الشرطة عن مسرح الأحداث في العديد من المناطق ، مما أدى إلى تفشي الجريمة بأشكالها المختلفة . فقد وجد المجرمون وتجار الفوضى، وعصابات النهب، الفرصة لاستباحة الأمن وترويع الآمنين ، مستغلين فراغ السلطة الأمنية وضعف مؤسسات إنفاذ القانون بل غياب جهاز الشرطة بأكمله فلقد كانت تلك الأيام دليلاً صارخًا على أن غياب الشرطة يعني غياب الأمان وانتشار الفوضى، وهي رسالة بليغة تُؤكد أن الشرطة ليست مجرد جهاز سلطوي ، بل هي روح الاستقرار في أي مجتمع كان .
ورغم قسوة الحرب، فإن من البشريات العظيمة التي صاحبت انتصارات القوات المسلحة وتحرير المدن السودانية، أن الشرطة كانت دومًا في طليعة العائدين، تسبقها إرادة صلبة لإعادة الأمن والاستقرار. فما أن تُحرَّر أرض من أيدي الميليشيات والمجرمين ، حتى تكون الشرطة حاضرة بخيلها وخيلائها ، لتعيد هيبة الدولة، وتفرض سلطة القانون، وتحمي المواطنين من أي تجاوزات أو فوضى قد تعقب الحرب . فهذه العودة السريعة للشرطة هي أكبر دليل على أن دورها لا ينفصل عن معركة الكرامة، وأنها شريك أصيل في استعادة السودان لعافيته .
لم يكن استهداف الشرطة في السودان مجرد مصادفة ، بل كان مخططًا مدروسًا في زمن حكم هي أسوأ الفترات التي حُكم فيه السودان ، حيث تعرض هذا الجهاز الوطني لمحاولات تفكيك وإضعاف ممنهجة، بهدف كسر هيبة الدولة، وترك المجتمع بلا حماية، ليكون لقمة سائغة للفوضى والمخططات المشبوهة. لكن رغم هذه المحاولات، ورغم الظروف القاسية التي واجهتها الشرطة، ظل أفرادها يحملون على عاتقهم مسؤولية حماية الوطن والمواطن، وظل الأمل معقودًا عليهم في إعادة الأمور إلى نصابها، وحراسة قيم المجتمع السوداني الأصيلة، التي حاول الأعداء طمسها.
إن الدور العظيم الذي قامت به الشرطة السودانية في هذه المرحلة الحرجة، يستحق منا كل شكر وعرفان. فهي لم تكن مجرد قوة تنفيذية، بل كانت ولا تزال رمزًا للصمود والانتماء الوطني. فالشكر موصول لقيادة الشرطة، التي أدركت حجم التحدي، وأعادت تنظيم الصفوف لمواكبة متطلبات المرحلة، والشكر موصول لكل جندي وضابط شرطة واصل الليل بالنهار ليحمي هذا الوطن، ويعيد له الأمن والاستقرار.
إن المرحلة القادمة تتطلب شرطة قوية، متماسكة، قادرة على فرض القانون، وحماية مكتسبات النصر، وترسيخ دعائم العدالة. فالشرطة ليست فقط أداة لحفظ النظام، بل هي المؤسسة التي تعكس هيبة الدولة، وتحمي نسيج المجتمع من التمزق، وتضمن أن يكون السودان وطنًا آمنًا مستقرًا، ينهض من رماد الحرب أقوى مما كان.عليه تبقى الشرطة السودانية الأمل والرهان في مرحلة ما بعد الحرب، ويبقى دورها جوهريًا في إعادة بناء الوطن، وتحقيق العدل، وترسيخ الأمن، ليعود السودان شامخًا، مهاب الجانب، مستقرًا بأهله، محميًا برجاله، محفوظًا بعطاء أبنائه.