يبدو أن جدليات المشهد السياسي السوداني المعقد لم تراوح مكانها بعد،بفعل مسببات كثيرة ذات أبعاد داخلية وخارجية.
أهم مسببات التعقيد السياسي فرضية إحتكار صناعة الرؤية السياسية،ومن ثم تفصيل المشهد على جماعات أو أحزاب أو إنتماءات محددة،تقوم فور توليها مقاليد الأمور بإقصاء الآخرين بحجج مصطنعة وواهية،يكون الخاسر فيها المبدأ الوطني الجامع الذي نتيجة هذا الخطل كفاءات ذات صيت حتي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
مسبب آخر يسهم في ترفيع أسهم القتامة السياسية الحالية،الخطاب الإعلامي الحاد القائم على التعرية والتصفية والجحود واظهار المساوئ والمسالب فقط،دون الرجوع لأدني قدر ممكن من كلمة حق يمكن أن يتقال،إذ إن التعاطي السياسي لايخلو من الإيجابيات وإن تقدير المحاط السلبي ذو رافعة أكبر.
يلي ذلك التسبيب،التضاد الجهوي والإقليمي القائم على خطاب البكائيات التأريخية التى أعطت حقوقا لأقليم دون الآخر كونه أخذ حقوقه نتاج حمل السلاح.الناظر لهذا التسبيب بعين العقل يري أن بكائيات التهميش وإحتكار التنمية والسلطة والثروة أمر تضررت منه أغلب أقاليم أو ولايات السودان،وهو أمر يؤكده بل وأكده واقع ولايات السودان بعيد إندلاع حرب الكرامة،التى كشفت وبجلاء سوء أوضاع ولايات السودان كافة من حيث البنية التحتية.
من المسببات القوية لتعقيد المشهد السياسي السوداني خلال الفترة الماضية،التدخل الاقليمي والدولي السافر في إدارة شئون البلاد،حتي أصبح ذلك أمرا مقززا يدعو للإشمئزاز والحيرة.
تدخلات الرباعية(السعودية،الإمارات،أمريكا،بريطانيا)في الشأن العام كانت وماتزال حجر عثرة أمام أي حل وطني مخلص،لأن المعطيات والأطماع الدولية والاقليمية والمحددات والثوابت الوطنية هما محل تضادد كبير لأتساع الهوة بين المشروعين.
التدخل الخارجي يعتبر أحد أبرز المسببات التى أسهمت في تعقيد المشهد السياسي،بل أسهمت في قيام الحرب الحالية حين كان (فولكر) مساندا (لحميدتي) بشكل حتى أثار كثير شكوك وريبة لكل ذي بصيرة إذ ذاك.
فضلا عن ذلك يبقي مبدأ عدم قبول الآخر وتوزيع صكوك الوطنية وتحديد من له الحق في المشاركة في السلطة،مسببا ذو صلة قوية بمآلات مانحن فيه الآن من تجاعيد حولت وجه السياسة السودانية الى دمية النظر إليها يكون مدعاة للإحباط.
إن التشظي الذي أصاب التنادي والتداعي السياسي الوطني في مقتل،أقعد البلد وسيقعدها أكثر مما نحن فيه عن ركب التنمية والتطور ،وعندها يعتذر علينا اللحاق بركب الأمم التى سبقت السودان بسنين ضوئية يصعب مجاراتها حاضر ولاحقا.