أخذت قريش تفكر في قبول الصلح مع المسلمين، ولكن كانت هناك معارضة من شباب قريش المتحمس لقتال المسلمين، فقد نشؤوا على كراهية الإسلام، وقتل المسلمون كثيرًا من ذويهم في المواجهات مع قريش، وحاول هؤلاء الشباب منع أي طريق للصلح، فقامت مجموعة منهم – تُقدّر بثمانين شابًا – بالتسلل إلى معكسر المسلمين ليقتلوا بعضًا منهم فيوقعوا الفتنة بين الفريقين، وتكون شرارة الحرب . فلما اقترب هؤلاء الشباب من معسكر المسلمين، أحاط بهم الصحابة، وتم القبض عليهم وقيدوهم، ولم يُقتل أي شخص من الطرفين.
وجاؤوا بهم إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ لكنّ النبي أطلق سراحهم دون حتى أن يطلب فيهم فداء، حتى يفسد عليهم مخططهم في إفساد جهود المصالحة، وبذلك أكّد – صلى الله عليه وسلم – لقريش أنه قد جاء للعمرة وليس للقتال، وأن طلبه للهدنة جاء من مركز قوة وليس ضعفًا . قال تعالى في سورة الفتح : {{ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا }} .
واستمر وجود المسلمين في الحديبية أكثر من ثلاثة أسابيع، ففكر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يرسل أحد الصحابة للكلام مع قريش مباشرة؛ [[ لأن المفاوضين من قبل والوسطاء ربما لم ينقلوا الصورة كما أرادها – صلى الله عليه وسلم – ]]، فاختار أن يرسل إليهم {{ عثمان بن عفان }} – رضي الله عنه – فهو من بطون بني أميّة أصحاب الزعامة الآن في قريش، ولن يجرؤ أحد على إيذائه، وهو معروف بالحلم والحكمة والكرم، وشخصية محبوبة جدًا في مكة، وكانت مهمته أن ينقل رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – لقريش، فالمسلمون جاؤوا لأداء العمرة وليس للقتال، فإن أرادت قريش الدخول في الإسلام فأهلًا ومرحبًا بها، و إن أرادت أن تكون هناك هدنة بينها وبين المسلمين، ولا تمنع أحدًا من دخول الإسلام فبها
ونعمّت، و إذا أرادت قريش القتال فنحن جاهزون .
وكان في مكة مسلمون مستضعفون يكتمون إسلامهم خوفًا من بطش قريش، وهم متشوقون لرؤيته – صلى الله عليه وسلم – وهو يطوف بالكعبة، فإذا وصلت يا عثمان إلى مكة فبشر هؤلاء أن رسول الله يخبركم أنّ الله سيعز الإسلام والمسلمين . [[ ونحن أيضًا يا رسول الله متشوقون لرؤيتك وللنظر إلى وجهك، ومتشوقون لشربة ماء من يديك الشريفتين، نتشوق للجنة و لنعيمها، ويكفيني فيها نعمة واحدة أنك أنت فيها، صلوات ربي وسلامه عليك ]] .
فلما انطلق عثمان، قال الصحابة للنبي – صلى الله عليه وسلم – : لقد فاز بها عثمان، فالآن يطوف بالبيت !!، فقال لهم : ذلك ظنِّي به ألا يطوف بالكعبة حتى نطوف، ولو مكث سنة ما طاف بها حتى أطوف [[ النبي يربّي رجالًا ويعرفهم ]] .
وصل عثمان ودخل مكة، ونزل في جوار صديقه {{ أبان بن سعيد بن العاص الأموي}}، مع أن العرف هو عدم قتل الرسل، ولكن هذا يدل على شدة العداوة التي كانت بين قريش والمسلمين . ثمّ استقبلته قريش، ورحبت به، وقالوا له : يا عثمان، إن شئت فطف بالبيت . فماذا قال عثمان ؟؟ لا والله، لا أطوف ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه محاصرون، وقد مُنعوا الطواف بها . هل رأيتم كيف يربي النبي الرجال ؟
ظل عثمان في مكة ثلاثة أيام كاملة، هنا قامت قريش بنشر إشاعة في معسكر المسلمين وهي {{ إشاعة مقتل عثمان }} ليعرفوا ردّة فعل المسلمين، فعرف النبي بفراسته أنها إشاعة !! فهو ينظر بنور الله، وحتى يُظهر لقريش قوّة صفوف المسلمين، ومدى محبتهم لله ولرسوله، قام – صلى الله عليه وسلم – في أصحابه وطلب منهم مبايعته على القتال وعدم الفرار ، فاجتمعوا عند شجرة في أرض الحديبية، [[ وقد عُرفت هذه البيعة ببيعة الشجرة، واسم الشجرة شجرة السمرة، وعرفت أيضًا ببيعة الموت، وبيعة الرضوان ]] ؛ لأن الله تعالى قال في كتابه الكريم : {{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا }} .
بايع الصحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فلما انتهوا، وضع – عليه الصلاة و السلام – يده فوق الأخرى وقال : هذه يد عثمان [[ وهذا دليل أنه كان يعلم أنها إشاعة ؛ فكيف يبايع عثمان على الموت وهو مقتول ؟! ]] . وصلت أخبار {{ بيعة الرضوان }} إلى قريش، فأصابها الخوف والهلع، فقالوا لعثمان – رضي الله عنه – : انطلق وقل لمحمد أن قريشًا وافقت على الصلح .
بقي أن نذكر أنّه وفي خلافة ” الفاروق ” عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بلغه أن الحاج والمعتمر ، يعرجون على {{ الحديبية }} فيجلسون تحت تلك الشجرة يتبركون بها !! فقال عمر : الله ، الله !!! أخشى أن تُعبد بعدي من دون الله !! فأمر أن تُقطع، وذهب إليها بنفسه وقطعها، وما عاد رجل يعرف أين مكانها إلى الآن .
اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم
✍️يتبع بإذن الله …صلى الله عليه وسلم
لا تنس ورد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة الجامعة بعد كل حلقة لعلك تسعد بصحبته وشفاعته يوم القيامة إن شاء الله________
من واجبك نشر سيرة نبيك صلى الله عليه وسلم .. لعلك تلقاهُ وهو راضٍ عنك عند الحوض .. وهذا أجرٌ عظيم يكتبُ لك و في ميزان حسناتك إن شاء الله.
هذه السلسلة سندها متعدد الألفاظ، يقتضي نفس المعنى، و ذكر في الطبقات الكبرى لابن سعد، و في السنن الكبرى للنسائي، و في أسد الغابة لابن أثير، و في أنساب الأشراف للبلاذري، كما ذكرت في تاريخ الإسلام للذهبي، و كتاب المنتظم لابن الجوزي، و أعلام النبوة للماوردي، و كتاب سبل الهدى للصالحي🌴🌴🌴🌴🌴🌴