الإثنين, ديسمبر 23, 2024
الرئيسيةمقالاتاستبدال العملة خطوة نحو التقنية والشمول المالي ...

استبدال العملة خطوة نحو التقنية والشمول المالي البرفسور أحمد مجذوب أحمد


لم يعد استخدام التقنية المالية مسألة اختيارية أو ضرباً من سبل الرفاهية، وإنما أصبحت ضرورة ومنهجاً واجب التطبيق وإلا فستتخلف الدولة التى لا تلتزم بها عن ركب الأمم، ويبقى اقتصادها على شاكلة القرون الوسطى.

وحسنا فعل بنك السودان المركزي أن أصدر منشورا للمصارف يطلب منها استكمال بعض حلقات التقنية المفقودة، غير أنه لا بد للبنك المركزى و وزارة المالية من خطة متكاملة لتنفيذ التقنية المالية، فعلى البنك المركزى أن يهيئ البنية التشريعية والأطر التنظيمية اللازمة لتعميق برامج التقنية المالية للجهاز المصرفي والمؤسسات المالية. على أن تبدأ الحكومة بقيادة وزارة المالية والبنك المركزي في (أتمتة) أو رقمنة كافة العمليات الإدارية والمالية ، وتحقيق الإسناد التشريعى اللازم لذلك، بحيث يكون الإجراء الإلكتروني مبرئا لذمة طرفي التعامل، فتعمد الحكومة إلى وضع جدول زمني لخطة التحول.

هذا لا يعني أن ننتظر حتى استكمال كل المطلوبات، ففي الجانب التشريعي لابد من إعداد وإجازة القوانين المنظمة لأداء وعمل الشركات والمؤسسات التى ستعمل في الخدمات المالية، واللوائح والنظم للأطراف التي ستعتمد الدفع الآلي سبيلا لإنهاء إجراءاتها والحصول على خدماتها ، فى مجال المستحقات الحكومية أو مستحقات القطاع الخاص، لأن التعامل التقني سيحل محل التعامل الورقي الذى لا يعتمد إلا إذا استوفى مواصفات شكلية وأخرى موضوعية.

ومن المعلوم أن الحكومة توقفت جهودها فى التقنية المالية عند تحصيل مواردها بواسطة أورنيك 15 الإلكتروني، ولم تتجاوز هذه المحطة لأكثر من عشر سنوات، إلا من بعض الجهود فى إدارة الجمارك السودانية عبر نوافذ إلكترونية لإنهاء الاجراءات. وبعض الاجتهادات الفردية لمؤسسات أخرى.

أما المصارف فقد وقف اجتهادها عند البطاقات الائتمانية التى لا تتعامل إلا مع صرافات ذات البنك أو تمكن صاحبها من التحويل من بطاقة لبطاقة، أو تسوية بعض المدفوعات التجارية – فى نطاق محدود – للمحلات التى لديها ماكينة تحصل آلى (point of sale)، وظلت التحويلات التقنية المصرفية تتم بين ذات حسابات المصرف ولا تتجاوزه لحساب آخر فى مصرف آخر ، ولعل تجربة بنك الخرطوم لا تحتاج لبيان – بالرغم من ريادته للتقنية المالية – حيث حجر تحويل الأموال داخل أصحاب حساباته فقط.

وهنا نشيد بمبادرة اتحاد المصارف لتأسيس نظام يسمح بتحويل الأموال بين كافة المصارف التى ستوافق على الانضمام لهذا النظام ، وينبغي أن يدعم البنك المركزى هذه المبادرة ويهيئ لها سبل النجاح ، بإلزام وتشجيع المصارف لإنشاء والانضمام للنظم المشتركة لتبادل التحويلات ، كما يجري في كل دول العالم.

ويرتبط بهذا أيضا إصدار البنك المركزي لسياسة تشجع توسيع نقاط البيع ، أولا بتسهيل الحصول على أجهزتها، وثانياً بإلزام كافة المؤسسات للعمل بها، فذلك يمثل البداية الصحيحة للتوسع فى التقنية المالية وتحقيق الشمول المالي ، وهو ضرورة الآن فى مراحل استبدال العملة ، فبموجب إلزام حملة البنكنوت المستبدل لتوريدها في حساباتهم بالمصارف أو بفتح حسابات جديدة ، ينبغي أن يصحب بإعطاء صاحب الحساب بطاقة الدفع الإلكتروني فور توريده للعملات المستبدلة إن لم تكن لديه واحدة من قبل. وفي المقابل يتم إلزام كافة مؤسسات القطاع الخاص العاملة فى النشاط التجارى، بتنشيط حساباتها في المصارف، وتوفير أجهزة البيع الإلكترونية حتي لا تكون هناك حاجة للسحب المباشر لأوراق البنكوت من المصارف.

وهذا يعالج مشكلة نقل الأموال وتبادلها بين المتعاملين مستوردين أو تجار تجرئة أو مستهلكين.وهذا يتطلب من البنك المركزي، بالتعاون مع الحكومة، إصدار التشريعات والنظم واللوائح التى تربط تجديد الرخص التجارية ورخص الأعمال لكافة العاملين فى النشاط التجاري أو الخدمي بتفعيل متطلبات التقنية المالية، مثل فتح وتنشيط حساباتهم بكافة الفروع والعمل بنقاط البيع وتوفير ماكيناتها ومن ثم قبول الدفع الإلكتروني، مع وضع اللوائح المنظمة للعلاقات بين المصارف وشركات الدفع المالي التي تصدر البطاقات الائتمانية وتنظيم العلاقة بين هذه المؤسسات وشركات الاتصال. الخطوة الأخرى هى اعتماد لوائح تأسيس شركات الوساطة المالية المساعدة لنظم الدفع الالكتروني ، مع بيان ضوابط منح تراخيص المزاولة وتقديم خدمات الدفع الإلكترونى.

هذه الإجراءات تحقق أهم هدف وهو تجفيف وتقليل القطاع غير المنظم (informal sector) الذي يمثل نسبة كبيرة في الاقتصاد السوداني ، لأنه يضعف أثر السياسات الاقتصادية النقدية والتمويلة. وفى هذا الإطار تحتاح شركة الخدمات المالية (EBS) لتطوير وتوسيع خدماتها بما يناسب وحجم عمرها العملي والتطور في المجال المصرفي والمالي.

في المجال التنظيمي فإن سياسات البنك المركزى ظلت ولسنوات عديدة تفرد محورا كاملا للتقنية المصرفية ، ولم يشهد هذا الأمر التوسع المطلوب واتضح الموقف بعد الحرب التى أتت على الأخضر واليابس ، حيث عجّز عدد من المصارف من مباشرة أعماله لضعف نظمه التقنية ، ونجاح هذه السياسة يتطلب من البنك المركزي تبني حزمة إجراءات متكاملة تمكن القطاع الخاص من تأسيس شركات الدفع والتسويات المالية، حيث تقول تجارب الدول التي توسعت فى نظم التقنية المالية ، أنها اعتمدت على الشركات التى تأسست بموجب تحالف بعض البنوك واحتلت موقعها فى النظام التقني المالي.

وبالرغم من تطور نظام الاتصالات فى السودان وسبقه لكثير من الدول ، إلا أن النظم الإدارية والسياسات كبلت هذه الشركات عن القيام بدورها خاصة فى نظام الموبايل موني (Mobile money) فالجميع يعلم أن شركات الاتصالات، لها أكثر من وسيلة تقنية في المدفوعات المالية، فهي يمكن أن تنشئ محافظ رقمية لتخزين الأموال ، دون الحاجة لحسابات بنكية ، بما يمكن صاحب المحفظة (بالشريحة) من استخدامها فى الدفع المالي، وثانياً فهي تحقق انتشارا جغرافياً واسعاً، من خلال نظام الوكلاء الذين يقدمون خدماتها فى أوسع تغطية جغرافية ، فيوجد الوكيل أو مندوبه أينما وجدت الشبكة، وهكذا فهي تتعامل مع جمهور المشتركين الذى يكاد يقارب عدد السكان البالغين، وحتى الآن لم تتم الاستفادة منه بما يتناسب مع حجمه، حيث ظل صراع المؤسسات يحول دون أن يتحقق هذا الدور، ولا بد أن يدرك الجميع أن النشاط المالي معقد ومتشابك، ولايمكن أن يُحتكر هذا النشاط لدى مؤسسات بعينها، فمصلحة الاقتصاد تعني توسيع دائرة مقدمي الخدمات ، ووضع الضوابط التى تحفظ للحكومة حقها من أرباح هذا النشاط.

وعلى البنك المركزي، إن أراد أن يحقق الشمول المالي ومحاصرة الإقتصاد غير المنظم، أن يستفيد من كافة النوافذ ، فينبغي ألا يدعي شخص أنه وحده المعني بتقديم الخدمات المالية ، وإنما تتوزع الأدوار بحسب القدرة والانتشار لسد الثغرات التى لا توجد فيها فروع للمصارف أو لا تسمح نظمها التقنية باستيعاب الحركة المالية فى الأطراف النائية. ولا بد من إقرار أن الشركاء الأساسيين فى هذا المشروع هى المصارف وشركات الاتصالات، فالإتصالات تعد شريكاً أساسياً في التقنية المالية لما توفرة من شبكات الإنترنت ، فلا الاقتصاد ولا البنوك ولا عملائها يستغنون عن الإتصالات، فهى تمثل القاعدة التى تنطلق منها التقنية.

وينبغى أن تتركز جهود وزارة المالية والبنك المركزي في عمل الترتيبات التنظيمية اللازمة لتوصيف وتحديد الأدوار بين جموع الفاعلين فى النشاط الاقتصادي والمالي والتجاري ، ولنا في تجربة المملكة العربية السعودية نموذج للنجاح والتميز على المستوى العالمى ، فقد صنفت المملكة فى المرتبة الثالثة عالميا في استخدام التقنية، فهي أولت عناية خاصة بمتطلبات التقنية على مستوى الحكومة أو مؤسسات القطاع الخاص. فبالإضافة إلى تشجيع الاستثمار فى نظم التقنية باستقطاب شركاء عالميين لنقل التجربة وتأهيل المورد البشري ، هناك عدة نظم أساسية لازمة تقع فى نطاق مسؤولية الحكومة (وزارة المالية والبنك المركزى) وهي:

  1. نظام المدفوعات الذي يعزز من نظام الدفع الالكتروني
  2. نظم التراخيص لكافة المتعاملين.
  3. نظم الأمان والحماية لمستخدمي هذه النظم (نظم حماية المستهلك للخدمات المالية).
  4. نظم الشفافية والرقابة . وهو جهد متكامل بين وزارات القطاع الاقتصادي وجهات التشريع وممثلو القطاع الخاص ، ومن الفطنة أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون ونقف على تجارب هذه الدول.

والله المستعان ومنه التوفيق.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات