في هذا المقال نتحدث عن مقاربة وطنية محتملة بين الكتل السياسية السودانية تقوم على فرضية أن الجميع يمكنهم أن يعلوا المصلحة الوطنية لأجل السودانيين ، خلال هذه المقاربة نتحدث عن كتلتين سياسيتين وأن ما تعلنه كل كتلة ماهو إلا سقوف تفاوضية لتحقيق مكاسب سياسية مستقبلاً على سبيل المثال، حين تؤكد كتلة “البرنامج الوطني” الداعمة للجيش استبعاد “تنسيقية القوى المدنية” من العملية السياسية وتعتبرها تشكل الحاضنة السياسية والإعلامية لمليشيا الدعم السريع ، فإن هذا يعكس موقفًا تفاوضيًا. بالمقابل، حين تصر كتلة تنسيقية القوى المدنية “تقدم” على استبعاد المؤتمر الوطني وواجهاته ، فإنها بالمقابل تتخذ موقفًا مشابهًا. هذه المواقف في تقديري تضر بالعملية السياسية و تكشف أن الشعب السوداني مغيَّب عن هذا الصراع السلطوي ، بالرغم من انه هو الجهة الوحيدة التي تملك تحديد من يظل داخل العملية السياسية و من يخرج منها عبر صناديق الانتخابات لذلك ظل دائمًا يدفع ثمن فشل الاحزاب السياسية في ادارة صراعها ، خاصةً مع تعاقب الانقلابات العسكرية . كما نعلم فالحرب الحالية اشتعلت في منتصف أبريل من العام الماضي بسبب أطماع بعض القوى السياسية في السيطرة على الدولة دون تفويض انتخابي ، عبر مليشيا “الدعم السريع”، من ما زاد من الأعباء على الشعب وأصبح ذلك تهديدًا حقيقيًا لكيان الدولة السودانية . حيث نشطت قبل ذلك وبعده التدخلات الإقليمية والدولية وأصبح لها تأثيرا واضحا في صناعة القرار السياسي لدى بعض الأحزاب السودانية . حيث أصبحت هذه الأطراف الإقليمية والدولية مؤثرة في قرار البلاد ، مدفوعة بأجندات تسعى للسيطرة على الموارد من خلال استغلال الموقع الجيواستراتيجي الذي يتمتع به السودان علي ساحل البحر الأحمر . ذلك مايجعل هذه القوى غير مهتمة بالديمقراطية بقدر اهتمامها بمصالحها الخاصة. في ظل هذه الأوضاع القاتمة، يصبح التوافق الوطني بين السودانين مهما و ضرويا لإدارة مرحلة ما بعد الحرب ، وهو ما يتطلب تقديم تنازلات من جميع الأطراف لإستعادة الوطن من الارتهان لدى القوى الأجنبية هذه .اول أمس شهدت سويسرا اجتماعات في مدينة «مونترو» ، برعاية وزارة الخارجية السويسرية ومنظمة “بروميديشن” الفرنسية ، بمشاركة “تنسيقية القوى المدنية تقدم” وبعض انشطارات من الحزب الاتحادي الديمقراطي، والمؤتمر الشعبي وحزب الأمة .رغم الهدف المعلن لهذه الاجتماعات ، فإن اختيار المشاركين حسب مراقبين يثير تساؤلات حول حيادية المبادرة ، حيث يعيد للأذهان تجارب مثل ” دستور المحامين” و”الاتفاق الإطاري” التي عمّقت الانقسامات وكانت بمثابة الشرارة التي اندلع منها لهيب الحرب . كما أن هناك العديد من المؤشرات التي تدل على تبني أجندات منحازة لمليشيا “الدعم السريع”، مثل التركيز على وقف العدائيات بالنظر لقيام السلطة المدنية في ولاية الجزيرة والخرطوم وبعض ولايات دارفور التي ربما تؤسس للأمر الواقع في أماكن سيطرة المليشيا ، هذا بحانب ضمانات مرور المساعدات الإنسانية دون اقرار آلية للمحاسبة على الجرائم ، المرتكبة في دارفور وشرق الجزيرة . كذلك، الحديث عن إعادة هيكلة الجيش ، والدعوات لتفكيك “دولة الحزب في إشارة للمؤتمر الوطني والتي تخدم أجندات خارجية تعمل علي إقصاء الإسلامين بعيدًا عن العملية السياسية. هذه التدخلات الاقليمية الواضحة في الشأن السوداني تشكل دعما للمليشيا يعمّق الأزمة ، كما أن هذا الدعم يتجاهل معاناة الشعب السوداني ، ما يجعل استمرار الصراع أداة لتحقيق مصالح خاصة بهذه القوي الاقليمية . لذا، يرى التيار الوطني من الأحزاب السودانية بحسب مراقبين ضرورة رفض مثل هذه الملتقيات ، ودعم القوات المسلحة في معركتها للحفاظ على وحدة البلاد . حتي تتمكن من إستعادة الأمن والاستقرار وهذا هو أعظم التحديات في الوقت الراهن . بموجب ذلك يحتاج السودان إلى مقاربة شاملة تضم جميع الأطراف السياسية والمدنية والجيش. تستند على عملية سياسية جادة أساسها الحوار الوطني السوداني سوداني غير المشروط . لذلك يجب تعزيز آليات المصالحة المحلية ، مع تمثيل المرأة والشباب بفاعلية . كذلك لا بد من العدالة الانتقالية لأجل تحقيق التوازن بين المحاسبة وتعويض ضحايا الحرب وكافة المتضررين من الانتهاكات ، هذا ما يعزز فرص المصالحة الوطنية.كذلك من المهم النظر إلى التحديات الاقتصادية التي يتطلب معالجتها الاستقرار السياسي من خلال تبني استراتيجيات لإعادة بناء البنية التحتية، و تعزيز دور القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة ، وخلق فرص عمل . أما في جانب إصلاح المؤسسات الامنية فهذا الشأن يجب أن يترك أمر معالجته للعسكريين لأن إصلاح القطاع العسكري والأمني هو مفتاح بناء الدولة الحديثة بعيدًا عن التدخلات الحزبية . إلى جانب ذلك يجب تعزيز حماية السيادة الوطنية والعمل على تنفيذ اتفاقية جدة للترتيبات الأمنية والإنسانية الموقع في 11 مايو من العام الماضي لضمان إخراج المليشيا من المشهد تماما ذلك ما يمكن من وقف إطلاق النار الذي يجب الحديث عنه بعد تحقيق الجيش تقدمًا واضحًا على الأرض . عليه فإن بناء جبهة وطنية موحدة لاتستثني احد هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار . عبر تبنى حوارًا داخليًا شاملًا بعيدًا عن التدخلات الخارجية ، مع التركيز على تعزيز دور المؤسسات الوطنية. بهذه الرؤية وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإنه يمكن للسودان التغلب على تحدياته وتحقيق استقراره المستدام ، عبر جهود وطنية خالصة ودعم دولي هادف إلى إستعادة الأمن وتحقيق السلام للسودانيين .دمتم بخير وعافية .الاحد 1 ديسمبر 2024م. Shglawi55@gmail.com