فترة نظام الإنقاذ التي أمتدت لثلاثة عقود من الزمان الأكثر سوءًا في تاريخ السودان منذ تأسيسه ، هذه الفترة جعلتني اتعرف على العديد من السياسيين السودانيين عن قرب ، وقد تكونت لدي قناعة أن غالبية الأسماء التي تقود العمل السياسي والأحزاب وتتصدر الوسائط حاليا وبالتجارب أقل في قدراتها من المعروف عنها بالتسامع ، وهنالك منها من خدمتها الظروف وأجهزة الإعلام والتضخيم في الحكي المتوارث ، كما وهنالك العديد من الأسماء البارزة التي ليست لديها الاستعداد للتضحية دفاعا عن الأفكار التي تتمشدق بها ، كما وهنالك الأحزاب التي صارت لها أسرار وعدة شغل وشعارات مرفوعة وسلالام للمناصب الحزبية الرفيعة ، كما وصارت السياسة والأحزاب من ضروب المهن الاستثمارية والعلاقات العامة والحصول على المناصب والمنافع . ووسط الركام الحزبي تعرفت على شخصيات جديرة بالاحترام منها المهندس صديق يوسف وهو من شيوخ المناضلين وشقيقه عثمان يوسف نسأل الله تعالى أن يمد في عمرهما وينعم عليهما بالصحة والعافية.
في الأيام الفائتة زرت مع بعض زملائي في المجموعة السودانية مسكن الباشمهندس صديق يوسف (عم صديق) بحدائق الأهرام أكثر من مرة في زيارات اجتماعية ، كانت آخرها لمعاودة شقيقه أستاذ الأجيال عثمان يوسف وهو يتعافى من المرض ، الأستاذ المخضرم عثمان يوسف تتلمذ علي يديه العديد من ممتهني شتى ضروب المهن القانونية (محامون – قضاة- مستشارون قانونيون) وقد أكتسبوا منه الخبرات والتجارب ، تميز العم صديق وشقيقه عثمان بالبساطة في الحياة وفي مظهرهما الإنسان العادي البسيط الذي يعبر عن مجتمعه بتلقائية وبلا زيف أو مساحيق .
عثمان (انت يوم بتكتل ليك شحاد) .
من الحكاوي التى تروى عن كرم الأستاذ عثمان يوسف أن أحد الذين ياتونه لقضاء الحوائج أتى لعثمان يوما ما وصادف عند مجيئه حضور أحد موكليه الذي سلمه اتعاب عمل ، فقام عثمان وأخد كمية من المبلغ واعطاها لصاحب الحاجة من دون أن يعدها والذي ذهل من المبلغ الكبير وقال بصوت عالٍ ( عثمان انت يوم بتكتل ليك شحاد) .
صديق يوسف في شنقل طوباي :
عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة كانت القوى السياسية مشغولة بمحاصصات قسمة الغنائم مع عناصر اللجنة الأمنية لنظام البشير ، وكانت منطقة شنقل طوباي قد شهدت تكرار الهجوم عليها بواسطة المليشيات المسلحة وحالات اغتصابات لنساء المنطقة المنكوبة ، اقترحت لبعض رموز القوى السياسية زيارة منطقة شنقل طوباي ومواساة المتأثرين بالانتهاكات، والوقوف على قضاياهم ومشكلاتهم استجابة لرغبة شباب المنطقة ، اهتم المهندس صديق يوسف والأستاذة سارة نقد الله والسيد أمين سعد والأستاذة إنتصار العقلي والأستاذة إحسان كزام وفي صحبة الأستاذة عازة محمد أحمد ذهبوا إلى نيالا ومنها بالبر إلى شنقل طوباي التي تبعد أكثر من مائة وخمسين كلم من مدينة نيالا، كما والطريق المسفلت ينتهي في منواشي حوالي ٧٥ كلم من نيالا ليبدأ منها الطريق المهمل الذي يُعرف بطريق الإنقاذ الغربي حتى مدينة الفاشر .أهالي منطقة شنقل طوباي لا زالت في ذاكرتهم تلك الزيارة وهم يتحدثون عن الفاشر والحصار وذكريات زيارة عم صديق ورفاقه لشنقل طوباي .
الشيخ يوسف والد المهندس صديق وشقيقه عثمان من أوائل السودانيين الذين تلقوا العلوم الطبيعية ، وعمل بالتدريس بكلية غردون التذكارية ، كما كان من علماء الفقه الديني بالمسجد الذي أسسه بأمدرمان القديمة ، وأشتهرت الأسرة العريقة بالبساطة في الحياة والكرم وعدم التكالب على الدنيا أو الاغترار بمظاهرها .
لقد فقدت الأحزاب اليمينية والوسطية واليسارية السودانية الرموز الحقيقة . ولم يتبق مما هو جدير بالاحترام في معمعة الأحزاب السودانية، سوى من لهم الكسب في مضمار العمل العام وعلى رأسهم أمثال المهندس صديق يوسف .