يبدو أن تحالف صمود مصابٌ بحالة نادرة من الحنين المرضي للسلطة ، حتى صار يشتمّ رائحة الكراسي في الأوهام ، ويُصمّم لها خرائط طريق في الواتساب والفيسبوك ومنصة إكس.
آخر فصول الهوس هذا كان بالأمس ، حين اخترعوا رواية من نوع الدراما الخيالية ، حمدوك والبرهان وحميدتي في لقاء بالقاهرة ، بوساطة مستشار ترامب مسعد بولس.
نعم مسعد بولس يا سادة ! ذلك الاسم الذي سطع نجمه في مخيلاتهم كأنه المُخَلص ، صار فجأة الرجل الذي يربط الخرطوم بواشنطن مروراً بغزة .
التحالف المسمّى صموداً لا يصمد أمام الحقيقة نصف دقيقة ، يعيش على الأماني ، ويتنفس الشائعات ، ويقتات على الفبركة ، كلما سمع رياح زيارة أو تصريح لمسؤول أجنبي ، سال لعابه طمعاً في أن الفرج الدولي قادم ليعيدهم إلى الحكم فوق ظهر المليشيا .
يا جماعة الخير ، هل يعقل أن من دمّر البلد يريد الآن أن ينقذها ،
التحالف الذي وقف مع مليشيا ارتكبت أبشع الجرائم بحق الشعب ، ما زال يتحدث عن الانتقال الديمقراطي ، أي ديمقراطية هذه التي تبدأ على فوهة بندقية وتنتهي عند بوابة القصر .
والطريف أن صمود والمليشيا وجدوا في مشروع سلام غزة ضالتهم المنشودة ،
فأصبحوا يروّجون له بحماسٍ أكثر من أصحابه الأصليين ، وكأن ترامب الغائب عن المشهد السياسي الأمريكي نفسه ، سيستيقظ ليقول يا جماعة ، خلونا نعمل اتفاق غزة نسخة سودانية .
نسي هؤلاء أو تناسوا أن السودان ليس حركة سياسية ، وأن الخرطوم ليست مدينة صغيرة ، وأن الشعب السوداني ليس جمهوراً يُدار بالمنشورات الصوتية والتسجيلات المفبركة ،
السودان دولة لها جيشها الوطني وشعبها الواعي ، لا تنتظر من الخارج أن يكتب لها اتفاقاً على مقاس تحالف فاشل ومليشيا مطاردة .
أما حديثهم عن اللقاءات السرية فهو أشبه برواية عوالم خفية ، من إنتاجهم الخاص ، يؤلفون الشائعة صباحاً ، ينشرونها ظهراً ، ويحللونها مساءً كأنها بيان رسمي من البيت الأبيض ، ولو سألت أحدهم عن مصدر الخبر ، سيقول لك بثقة العالم ببواطن الأمور ، جانا من مصادرنا الخاصة في القاهرة ، يا سلام ، هؤلاء المصادر ، هم أنفسهم، الذين صدّقوا من قبل أن حميدتي سيترشح لرئاسة الاتحاد الإفريقي .
الواقع أن ما يحرك تحالف صمود اليوم ليس حب الوطن ، بل عُقدة الفقد السياسي ،
هم كمن طُرد من وليمةٍ فجلس خلف الباب يتنصت على أصوات الصحون ، يراقبون المشهد من بعيد ، ويتوهمون أنهم ما زالوا لاعبين فيه ، بينما الشعب السوداني ركلهم خارج الملعب منذ زمن .
قالوا مشروع سلام غزة يمكن أن يُطبق في السودان ، نقول لهم ببساطة السودان لا يُقارن بغزة ، لأننا دولة بجيش وشعب ، لا مليشيا تبحث عن ممول جديد ، ولأن السودان كما قال رئيس مجلس السيادة غير مرة ، لن يعيد إلى المشهد من كان سبباً في جراحه .
البلد يا سادة تجاوزت مرحلة الشعارات ، والشعب صار يعرف تماماً من باع ومن اشترى ، ومن غنّى باسم الوطن ثم سرق جيوبه ، أما تحالف صمود ، فليواصل الصمود في الخيال ، وليستعدّ لتأليف الموسم القادم من مسلسله المفضل ،
العودة إلى القصر قريباً على قنوات الوهم الغربي !”… لنا عودة.